Site icon bnlibya

آن الأوان للمصارف أن تقوم بتمويل رواد الأعمال أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة

تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) والناشئة (STARTUPS) العمود الفقري لاقتصادات الدول المتقدمة، فالمشروعات الصغيرة في هذه الدول توفر ما يزيد عن 70% من الوظائف للقوى العاملة كما أنها تُشكل وفقا لمنظمة التجارة العالمية 90% من الأعمال التجارية في هذه الاقتصادات. الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة هي عماد وأساس لقطاع خاص حيوي وصحي وشفاف وذو نشئة طبيعية شمولية تتيح الفرص للشباب وأصحاب الأفكار الإبداعية أن يكون لهم دور فاعل في الإقتصاد الوطني مما يُعزز الشمول المالي والتوزيع العادل للثروة ووجود طبقة وسطى عريضة في المجتمع، فبدون وجود شركات صغيرة ومتوسطة تُشكل غالبية القطاع الخاص يتحول القطاع الخاص إلى قطاع ضعيف ومحتكر من عدد قليل من كبار “التجار” ليشكلوا قطاعا خاصا محدودا ينحصر دوره في إغراق الأسواق ببضائع إستهلاكية تستنزف العملة الصعبة دون المساهمة الفعالة في تطوير الإقتصاد.

الدولة الليبية الريعية التي ينحصر دخلها في إيراداتها من النفط والغاز يشكل موظفو القطاع العام بها حسب تقديرات الجهات الرسمية لعام 2024 أكثر من 30% من عدد السكان بما يقرب من 2.5 مليون موظف يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة بينما المعدلات العالمية لنسبة عدد موظفي الحكومة إلى عدد السكان هي ما بين 4-10%، كما يذهب حسب تقارير المصرف المركزي ما يقرب من 88.1% من دخلها من النفط في مرتبات حكومية فقد بلغت رواتب القطاع العام 67.6 مليار دينار لعام 2024 في حين أن إيرادات النفط لنفس العام بلغت 76.7 مليار دينار على الرغم أن هذه الوظائف جلها غير إنتاجية ولا تضيف للإقتصاد الليبي شيئا بل لاقدرة لهذه المؤسسات الحكومية بأعدادها الضخمة من الموظفين  على تقديم الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها المجتمع كالصحة والتعليم والمواصلات والبنى التحتية، لذلك فإن الدولة الليبية في أمس الحاجة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وإنجاحها لتوفر فرص عمل حقيقية خارج القطاع الحكومي ولتساهم في نهضة قطاعات الصناعة والزراعة والمواصلات والاتصالات والتكنولوجيا وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات التي عجز القطاع العام عن تقديمها بشكل جيد للمجتمع والمواطنين.

لإنجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا بد من منظومة بيئية راعية وداعمة لهذه المشروعات وأصحابها تشمل الآتي:

القوانين والتشريعات المحفزة والداعمة والتي تشمل حوافز وإعفاءات
المؤسسات التعليمية من خلال إدخال مناهج ريادة الأعمال في كافة مراحل التعليم
المؤسسات التدريبية كحاضنات ومسرعات الأعمال ومراكز تطوير الأعمال
المناطق الصناعية والواحات التكنولوجية ومناطق خاصة بالمشروعات الصغيرة
الإعلام من خلال نشر ثقافة الريادة والتوجه للعمل الخاص للشباب
الصناديق والمحافظ ومنصات التمويل الجماعي وشبكات المستثمرين الملائكيين

وغيرها من مكونات المنظومة البيئية التي يمكن الاستفادة من التجارب الناجحة في المنطقة كالتجربة التركية والسعودية والتونسية في إنشاء بيئة داعمة ومساندة لرواد الأعمال والمشروعات الصغيرة، بالتوازي مع توفير وتطوير مكونات المنظومة البيئية لريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة لا بد من توفير التمويل لهذه المشروعات وهو أمر في غاية الأهمية لاستمرار هذه المشروعات واستدامتها وتطورها لتشكل لنا قطاعا خاصا يساهم في توفير فرص عمل منتجة ترفع العبء عن القطاع العام وتساهم في تنويع الاقتصاد والتنمية والتقليل من الاعتماد على النفط والإنفاق الحكومي سواء للمرتبات الحكومية بالدينار الليبي أو للعملة الصعبة من خلال التقليل من استنزافها في استيراد منتجات استهلاكية وخدمات يمكن أن تنتج وتقدم محليا من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة. هذه التمويلات الصغيرة اليوم غير متوفرة من المصارف لرواد الأعمال من أصحاب المشروعات الصغيرة والناشئة بحجة عدم وجود ضمانات لديهم بينما تقوم المصارف بتقديم مئات الملايين لأصحاب الشركات “الكبيرة” وكبار التجار بحجة توفر ضمانات لديهم مع مشاهدتنا بشكل مستمر لتقارير مالية ورقابية توضح أن مئات الملايين من هذه التسهيلات والتمويلات التي أعطيت لبعض من كبار التجار أهدرت وضيعت ولم تعد للمصارف رغم وجود الضمانات “شكليا” لديهم.

إذا كنا نريد أن نبني اقتصادا حقيقيا ونظاما ماليا عادلا شاملا وتنمية مستدامة فلا بد من إيجاد آليات لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال المصارف في كافة مناطق ليبيا وفي مختلف القطاعات تضمن نجاح المشروعات واستدامتها وتضمن استعادت أموال المصارف، هذا الأمر أصبح أمرا متاحا وممكنا ومجربا في عديد من دول المنطقة فالبنوك السعودية على سبيل المثال وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما)، بلغ إجمالي التسهيلات المقدمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من المصارف وشركات التمويل خلال الربع الأول من عام 2024 حوالي 293 مليار ريال سعودي أي ما يقارب 80 مليار دولار في 3 أشهر، فبإمكان مصارفنا ومن خلال أدوات وصيغ تمويل متعددة منها المرابحة، المشاركة، الإيجار التمويلي وغيرها من أدوات التمويل الإسلامي المعتمدة في البنوك الليبية مع الاستفادة من الآليات والأدوات المجربة في دول المنطقة كالسعودية أن تقدم تمويلات وتسهيلات ذات جدوى لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

لدى مصارفنا فرصة كبيرة لتعظيم أصولها وأرباحها مع المساهمة في بناء ونهضة وتنويع الاقتصاد الليبي والتنمية من خلال تقديم التمويل الذكي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والناشئة ذات دراسات الجدوى وخطط العمل المميزة والتي بدأت في الولوج للأسواق ولكنها تحتاج إلى رافعة مالية لتنمو وتتوسع، المصرف المركزي الليبي بدوره قام بتوجيه وتشجيع المصارف الليبية لإنشاء وحدات إدارية لتمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كما قام بتوجيه المصارف لتخصيص 20% من تمويلاتها لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في منشوره رقم 1 لعام 2022، فالدور الآن منوط بإدارات المصارف لأخذ زمام المبادرة والاستفادة من توجيهات المصرف المركزي من خلال بناء الوحدات الإدارية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة واستقطاب المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية والفرص الاستثمارية لتمويلها ودعمها وصولا لإنجاحها واستدامتها، المصارف في ليبيا هي الأوعية المالية الكبرى التي تخزن فيها عشرات المليارات التي لم يتح لها المساهمة في تمويل القطاعات الاقتصادية والتنموية ولم يستفد منها الاقتصاد الوطني وحرم منها الكثير من الشباب العصامي أصحاب الأفكار الإبداعية والمشروعات المميزة مما اضطرهم إلى الركون إلى الوظيفة الحكومية رغم خلوها من الأمل والشغف والإثارة والتطور المهني الذي يتوفر في قطاع ريادة الأعمال خاصة مع وجود التقنيات الحديثة وتوفر المعلومات مع ثورة الذكاء الإصطناعي.

حان الوقت لمصارفنا أن تقوم بفتح المجال لتمويل رواد الأعمال من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الجدوى الاقتصادية والربحية كما آن الأوان لصناع القرار في الدولة الليبية أن يقوموا ببناء المنظومة البيئية لدعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في ليبيا لنصنع قطاعا خاصا حقيقيا حيويا يساهم في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وتوفير فرص عمل خارج القطاع الحكومي لبناء الاقتصاد والمساهمة في التنمية وتقديم الخدمات للمجتمع بما يعود على بلادنا واقتصادنا ومصارفنا وشبابنا بالخير والنماء والازدهار.

The post آن الأوان للمصارف أن تقوم بتمويل رواد الأعمال أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.