Site icon bnlibya

الشرق الأوسط.. بين سندان الهيمنة ومطرقة التطهير

منذ الأحداث الأخيرة التي أعقبت ربيع الثورات التي لم تكتمل، بينت الأحداث أن كل دول العالم تسعى إلى الهيمنة في مستوياتها جميعا أو في أحدها، فهي لا تتورع أن تهيمن سياسيا أولا ومن ثم اقتصاديا وأمنيا وحتى ثقافيا على باقي المجتمعات، لكن تماسك بعض الدول الناتج عن التلاحم بين شعوبها وأنظمتها الحاكمة أو حتى مجرد تماسك نظامها القائم يفشل مساعي الدول الأخرى في فرض هيمنتها، إلا أن محاولات الهيمنة لا تنتهي، وضعف النظام الدولي وانهيار منظومته الأخلاقية ساعدا في تمرير سياسات بعض الدول التوسعية.

إيران

إيران، كأحد أهم دول الشرق الأوسط عملت وتعمل جاهدة في تكريس هيمنتها على المنطقة، وهي لا تحفي هذا الأمر منذ أن جاء الخميني بثورته إلى إيران، وتصريحاته في هذا السياق حول “تصدير الثورة” و”إيقاظ الشعوب الإسلامية”، و”وحدة الأمة الإسلامية” و”التحرر من هيمنة الغرب” كانت جدا واضحة وصريحة، رغم أنه لم يكن يقصد إنهاء الكيانات الوطنية، بل يدعم استقلالها سياسيا.

وقد نجح النظام الإيراني في مشروعه وحقق نفوذا واسعا في الإقليم من خلال إنشاء ودعم حلفا له كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، بل تحالف مع نظام قائم في سوريا في زمن الأسد وقبل سقوطه بأشهر قليلة.

وإيران منذ ثورتها في العام 1979 مازالت تعتبر أن وجود القواعد الأمريكية في الخليج ووجود إسرائيل يشكلان تهديدا مباشرا لأمنها القومي، لذلك سعت إلى خلق مناطق نفوذ على حدود من تعتبرهم يشكلون هذا التهديد، كما استخدمت موقعها الجغرافي في التحكم في مضيق هرمز الذي يعتبر أحد أهم معابر الطاقة والتجارة العالمية، فهو بحق شريان النفط العالمي، ذلك أن 20% من النفط العالمي، وما يزيد عن 17 مليون برميل من النفط والغاز المسال يمر عبر هذا المضيق يوميا، وتقع عليه أهم موانئ تصدير النفط السعودي والكويتي والعراقي والإماراتي، وتعتمد قطر كليا على هذا المعبر في تصدير غازها المسال، والذي يُشكل ثلت صادرات العالم من الغاز.

باختصار، إيران تبحث عن مكانة استراتيجية تجعل منها لاعباً رئيسياً في تحديد مصير المنطقة، خاصة في ظل التنافس مع دول مثل السعودية وتركيا وإسرائيل، ومع تدخل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.

هذه المكانة لن تتحقق لها إلا عن طريق تحقيق هيمنة كاملة عن طريق الاحتلال وهذا غير ممكن، أو عن طريق حلفائها الإقليمين وإيدلوجيتها التي استطاعت تصديرها لدول الجوار.

نرى الآن أن إيران قد نجحت في تحقيق بعض أهدافها في المنطقة، فهي تملك نفوذا واضح في أربع عواصم عربية (تقلص دورها في سوريا بعد سقوط الأسد)، وأصبح نفوذها يمتد من إيران حتى البحر الأبيض مشكلة بذلك النفوذ ما يمكن أن يوصف بأنه هلال شيعي، كما لا يخفى على أحد قوة الميليشيات التي شكلتها على طول هذا الهلال.

إسرائيل

الحديث عن اسرائيل حديث جوهري، فهو يمس لب التحوّلات في الشرق الأوسط. ولدولة إسرائيل مجموعة من الأهداف، تتضمنها اهداف أمنية يفرضها وجودها في محيط لا تنتمي اليه ، واهداف سياسية، واخرى اقتصادية وأيديولوجية. وجميعها تدور حول محور مشترك وهو ضمان بقاء الدولة اليهودية وتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي.

يهمنا هنا اكثر الهدف السياسي، والذي يشكل جوهر التهديد الوجودي للكيان العربي في الشرق الاوسط، ذلك ان هذا الهدف يشكل مركزية استراتيجيتها، وتتجاوز الداخل لتطال ميزان القوى الاقليمي ومستقبل الشعب الفلسطيني.

يتجلى اهم هذه الاهداف في الدستوري اليهودي، الذي ورغم تقديمها كنمودج لدولة ديمقراطية، الا ان الدستور اليهودي يسعى لدفع دول العالم والمجتمع الدولي الى الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية، ورغم عدم وجود دستور مكتوب لدولة اسرائيل، الا ان الدولة تعمل تحت سيادة ما يعرف بــ”قوانين الاساس” والتي تشكل الاطار الدستوري للدولة. وقد أقر الكنيست في منتصب عام 2018 يهودية الدولة، وخفض هذا القانون من مستوى اللغة العربية من اعتبارها “لغة رسمية” الى جانب العبرية الى “لغة ذات مكانة خاصة”.  والسؤال: ما معنى هذا القانون؟. الحقيقة هذا القانون يمثل اول بوح اسرئيلي رسمي في تطهير اسرائيل من اي وجود غير يهودي، وبمعنى ادق التطهير العرقي لفلسطين.

قامت منهجية العمل الاسرائيل على هذا الهدف في محاولة التطبيع مع اكبر عدد من الدول العربية، وقد نجحت لحد كبير في تحقيق هذا الامر. فقد جاءت اولى النجاحات في تكبيل مصر باتفاقية كامب ديفيد، تلاها في الركب الاردن عبر اتفاقية وادي عربة. وفي ولاية ترامب الاولي قام جاريد كوشنر عراب الاتفاقية الابراهمية من تحقيق اختراق اكبر في السياج العربي، فانضمت الى ركب التطبيع كل من الامارات والبحرين وموريتانيا والمغرب والسودان. ولولا 7 اكتوبر للالتحقت باقي الدول العربية بقطار التطبيع.

هكذا نجحت اسرائيل في كسر الاجماع العربي حول “قضيتهم المركزية،، وتحقق لليهود الغاء مركزية القضية الفلسطينية، ليس فقط في بعدها الاقليمي بل الدولي، وتمثل حرب غزة العلامة الكبرى الدالة على ازالة الوجود العربي من فلسطين كليا، عبر تطهير عرقي ممنهج يدعمه النظام الغربي ضاربا بعرض الحائط كل القيم الانسانية والقوانين والمواثيق الدولية.

الخلاصة

كما اشرت في بداية المقال، فالهيمنة ممارسة دولية مستمرة، تمارسها تقريبا كل دول العالم في حدود امكانياتها المتاحة، وهي ليست حكر على الدول الكبرى. فدور ليبيا وهيمنتها على الساحة الافريقية كانت صارخة على زمن نظام القدافي، وقد توجت بانشاء الاتحاد الافريقي الذي انتهاء تقريبا بنهاية نظام القذافي. وتصدير الايدلوجيات ليست حكر على ايران، السعودية ايضا عبر الحركة الوهابية وورييتتيها الجامية والمدخلية استطاعت ان يصبح لها اليد الطولي في العديد من الدول، واستعملت قطر جماعة الاخوان و مركزها الاقتصادي  في فرض بعض الهيمنة على بعض الدول التي كان للجماعة دور قيادي فيها، ونجحت الامارات من خلال توظيف مركزها الاقتصادي في افشال ثورات الربيع والهيمنة على بعض دوله. لكن يظل هذا الخطر الذي تمارسه هذه الدول محدود جدا امام التهديد الوجودي الذي تمارسه اسرائيل، فأسرائيل تسعى الى ابادة شعب والتهجير القصري له، وتسعى الى توسيع رقعتها الجغرافيا لتتعدى حدود فلسطين التاريخية لتمتد من النيل الى الفرات.

إذا، مساعي ايران في الهيمنة على نطاقها الاقليمي يتضائل كثير امام هذا التهديد الوجودي الذي تمثله اسرائيل، واذا كانت ايران اليوم هي المستهدفة، فهذا لا يعني ان باقي دول الاقليم بعيدة عن “شهوة” اسرائيل في التوسع، بل ستكون اللاحقة، وكما نجحت اسرائيل في ان تتوسع في عملية التطبيع مع دول الاقليم، فهي قادرة على ان تحقق نجاح مماثل في التوسع على حساب شعوب المنطقة, وانهاء وجود بعضها.

The post الشرق الأوسط.. بين سندان الهيمنة ومطرقة التطهير appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.