Site icon bnlibya

الصراع بين الحق والباطل

إن الصراع بين الحق والباطل ليس أمرًا جديدًا، بل هو صراع قديم قِدَمَ الخلق متجدد بوجود الخلق، بدأ مع أول الخليقة، وما زال مستمرًا إلى أن تقوم الساعة. إنه صراع النور مع الظلام، وصراع الإيمان مع الكفر، وصراع الهداية مع الجهل. لقد أراد فرعون أن يقتل النبي موسى عليه السلام، لا لِجُرمٍ اقترفه أو تمرُّدٍ أعلنه، ولكن فقط لأنه دعا قومه إلى الحق، إلى كلمة “لا إله إلا الله”، الكلمة الأبدية التي تُعلن أن لا معبود بحقٍّ إلا الله. وكذلك حاول كفار قريش أن يُسكتوا نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، لا لأنه ظلمهم أو اعتدى عليهم، ولكن لأنه دعاهم إلى عبادة إلهٍ واحد، إلهٍ فوقهم، وفوق آرائهم، وفوق آلهتهم.

واليوم، في زماننا هذا، لا يزال الصراع نفسه قائمًا، لكنه ليس حربًا بالسلاح، بل حربٌ باردة على العقيدةِ والإيمان. إنه صراعٌ بين من يؤمن أن هناك إلهًا فوق كل شيء، يُدبِّر الأمر، ويَحكم في خلقه، وإليه يرجع الأمر كلّه. إن أصحاب النفوذ والسلطة يحاولون إطفاء نور الإيمان، ذلك النور الذي بدأ منذ أكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لن يستطيعوا، لأن هذا النور ليس من صنع البشر، فالإسلام ليس علامة تجارية، ولا فكرة عابرة إنسانية، بل هو دينٌ إلهيّ، كلمات ربانية تدخل لتسكن قلوب وأرواح من اعتنقوه من الإنسانية، كلمات من الله حيّة باقية لا تموت، إن الإيمان حقيقةٌ تتغلغل في قلوب البشر، ونورٌ لا تستطيع أي ظُلمةٌ ولا ظَلمةٌ أن يطفوه، فإذا غرس الله بذرة الإيمان في قلب إنسان، فلن يستطيع إنسٌ ولا جان أن يمحوها. ذلك النور سيبقى ساطعًا في كل جيل، وفي كل أرض، وفي قلب كل مؤمنٍ يقف مع الحق، قال الله تعالى: “يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” (سورة التوبة: 32).

فما موقف المسلمين اليوم من هذا الصراع؟ ولِماذا يُعاني الكثير من المسلمين اليوم؟ ولماذا هذا التدهور الخطير لحال الأمة؟ كمؤمنين إن صح التعبير يجب أن نعرف ونعي أولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “أشدُّ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ”، وفي المقام الثاني يظنّ كثيرٌ منا أنَّ كل ما يحدث لنا سببه الحكومات أو الإعلام أو الأعداء؟ لكن الحقيقة التي لا نريد أن نعرفها لأنها تُحملنا المسؤولية وهي أن الداء والمرض الذي نعانيه ينبع من داخلنا، في قلوبنا، فلابد من تغيير أولوياتنا، فنحن الداء ونحن الدواء!!! لقد بدأ الإنهيار عندما ضعف الإيمان في قلوبنا وتحول الدين من منهج حياة إلى عادات شكلية، فلا أحد يمنعنا من الصلاة، ولكننا توقفنا عن تقديرها، ولا أحد يمنعنا من تلاوة القرآن وحفظه، ولكننا توقفنا عن العمل به، ولا أحد يمنعنا من قول الحق، ولكننا صمتنا عن الباطل باسم الخوف والحفاظ عن المصلحة.

إن أول طريق الإصلاح ليس في تغيير الحكومات أو القوانين، بل في تغيير القلوب والأنفس فالله جل جلاله يقول: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد: 11). وبعد هذا القول الفصل نريد أن نذكر هنا ما حدث من تغيير لحكومة مصر وليبيا، في الأولى كان بداية التغيير جيدا حيث تم اختيار الرئيس محمد مرسي رحمه الله، ولكن لم يكن الشعب مهيئ ولا الدول المحيطة، فعمل الأعداء باختلاق الذرائع والإطاحة بالرئيس مرسي بوسائل مختلفة وعلى رأسها الإقتصاد وكان عامة الشعب معهم لعدم الوعي وعدم الإستعداد لتحمل المسؤولية، وكذلك الحال في ليبيا وإن اختلف الأمر بعض الشيء ولكن عدم الوعي وإدراك المسؤولية على تغيير الأنفس كما ورد في التوجيه الربانيّ سببا رئيسيا في استمرار معاناة الشعب الليبي؟ فإذا أردنا تغيير الحال الذي نحن فيه، وإذا أردنا أن يرفع الله عنا الضعف، وأن يُعيد لنا وللأمة عزّتها، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا: أن نُصلح نيّاتنا، وأن نُطهّر قلوبنا من الرياء والحسد والكبر، وأن نُعيد الصلاة إلى مكانها في حياتنا، والقرآن إلى منهجه في بيوتنا، والأخلاق إلى سلوكنا اليومي. إن التغيير الذي ننشده تغيير ليس سهلا فهو تغيير جذري لنمط تفكيرنا وأسلوب حياتنا وترتيب كُلّي لأولوياتنا في الحياة، هو تغيير يقلب ما نحن فيه رأسا على عقب لتصبح الآخرة هي همنا في كل قول نقوله وكل عمل نعمله، ويجب ألا يتوقف هذا التغيير القولي والعملي الراسخ في القلب عند مكان ولا زمان محدد فبذلك وحده وبعون الله سنغير أنفسنا وسنغير الأمة كاملة، فأمتنا لم تتغير في تاريخنا إلا بالأخيار الذين غرس الله الإيمان الراسخ في قلوبهم ولمّا رأى الله الصدق والإخلاص في نواياهم وترجموه عملا في حياتهم صاروا بعونه قدوة للعالمين. ونختم بقول الله تعالى: “فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الحجر: 92-93)، أي سنُسأل عن كل ما نعمل صغيرا كان أم كبيرا، عن إيمانٍ وقر في قلوبنا، وعملٍ صالحٍ ظهر على جوارحنا وصدّقته أفعالنا، أو ربما عمل غير ذلك؟

The post الصراع بين الحق والباطل appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.