الصكوك الإسلامية.. فرصة ليبيا لبناء اقتصاد أكثر أمانًا

0
31

في وقتٍ تتهاوى فيه كثيرٌ من النماذج التمويلية التقليدية وتغرق الاقتصادات في أزمات الديون، يزداد البحث عن بدائل أكثر أمانًا واستدامة، هنا تبرز الصكوك الإسلامية كأداة قادرة على الجمع بين الاستقرار الاقتصادي والانسجام مع قيمنا وموروثنا، ليس فقط لأنها متوافقة مع الشريعة، بل لأنها تعبّر عن المعنى الحقيقي للاستثمار والتنمية.

ما يميز الصكوك أنها ليست مجرد أوراق دين تُباع وتُشترى في البورصة، بل هي حصة فعلية في مشروع أو أصل منتج. هذا الارتباط يحدّ من المضاربات ويوفر استقرارًا طويل الأمد، وفي الوقت نفسه يفتح الباب أمام استثمارات تعود بفائدة ملموسة على حياة الناس.

الأهم من ذلك أنها تقوم على المشاركة في الربح والخسارة؛ فالمستثمر لا يظل متلقيًا للعوائد فحسب، بل يصبح شريكًا في نجاح المشروع أو تحمّل جزءٍ من مخاطره. هذا النموذج يفرض جديةً أكبر عند اختيار المشاريع، ويجفف منابع الفساد أو الممارسات غير الشفافة، وينمّي من قدرات المستثمرين والمؤسسات الاستثمارية.

ولأن الثقة أساس الاستثمار، تأتي الرقابة الشرعية كضمان إضافي يبعث الاطمئنان بأن العوائد شرعية وناتجة عن أنشطة مشروعة، وهو عنصر يرفع جاذبية الصكوك لفئات واسعة من المستثمرين.

في ليبيا، فإن الحاجة إلى هذه الأداة تبدو أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. بلد أنهكته الأزمات يحتاج إلى مصادر تمويل تُمكّنه من استكمال تطوير البنية التحتية وتحسين جودة الحياة، دون أن يُثقِل كاهله بديون مرهقة. وهنا يبرز دور القانون رقم (4) لسنة 2016، الذي وضع الإطار التشريعي لتنظيم سوق الصكوك وفتح الباب أمام استخدامها في مشاريع تنموية استراتيجية.

ومن الطبيعي أن نجد اليوم مؤسسات ليبية كبرى تستكشف هذا الطريق. ففي نهاية أغسطس الماضي، عقدت محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار حلقة نقاش موسعة خُصصت لبحث آليات تمويل مشاريعها عبر الصكوك الإسلامية، بحضور قياداتها العليا ورئيس هيئة سوق المال ومندوب البنك الإسلامي للتنمية، إلى جانب خبراء وممثلين عن جهات تمويلية. ركّز النقاش على إمكانية إصدار صكوك من خلال شركة ذات غرض خاص (SPV)، وانتهى بالاتفاق على تشكيل فريق عمل يتولى الإجراءات العملية. وتعكس هذه الخطوة تحركًا جادًا من المحفظة نحو جعل الصكوك أداة عملية لدعم توجهها في تعزيز الاستثمارات الداخلية، لا سيما في المشاريع التي تخدم البنية التحتية وتسهم في تحسين جودة الحياة.

في النهاية، الصكوك ليست مجرد منتج مالي جديد، بل تمثل فلسفة تمويلية متكاملة تقوم على المشاركة والشفافية والارتباط بالاقتصاد الحقيقي. وإذا أحسنت ليبيا استثمار هذه الأداة، فقد تتحول إلى حجر الزاوية في استكمال مسار الإعمار، وتفتح الباب أمام استثمارات تجمع بين الأمان والجدوى معًا.

The post الصكوك الإسلامية.. فرصة ليبيا لبناء اقتصاد أكثر أمانًا appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.