Site icon bnlibya

قراءة في النظام الدولى للعالم في كنف الحرب بأوكرانيا

النظام العالمي الذي نعيش فى كنفه ويتولى عبر خطوطه العريضة ضبط إيقاع الحياة فوق جغرافية هذا العالم البائس، هو حسب قراءتي فى حصيلته النهائية، ليس غير مجموعة من الترتيبات الدولية، التي أعقبت وجاءت بعد عدد من الوقفات المفّصلية من تاريخ عالمنا المعاصر، سعت واجتهدت هذه الوقفات، نحو وضع أسس وقواعد تنهض عليها آليات فى صِيّغ مؤسسات وهيئات ومنتديات إلخ.. لها القدرة على لجم وترويض -وعند الحاجة- انزلاق الصراع إلى مدارج الاقتتال والاحتراب، وانتشاله -عند الضرورة- إلى درجات أقل حدّة، كي تكون مّخرجات الصراع ذات مردود إيجابى على مسيرة الحياة، لأنه وبمختصر القول.. ليس في مقدور أحد تحّيد الصراع من دنيا الحياة، فهو حاجة ضرورية لها، لكوّن الصراع أو التدافع ليس غير الطاقة التي تحتاجها عجلات ودواليب الحياة للحركة للدوران والتقدم نحو سيرورتها.

ويستطيع القارى فى صفحات التاريخ المعاصر . ان يحصر هذه الوقفات المفّصلية ومن خلال وقائع التاريخ , التى رسمت خط مسيرة ماضيه  . ويُفقطها فى وقفتين جاءتا بعد نهاية الحربين العالميتين الاولى والثانية , ووقفة ثالته جاءت مع تداعى جدار برلين وانهيار المنظومة السوفيتية . التى عُرفت بنهاية الحرب الباردة . وها هو العالم يمر بمرحلة مخاض قد تنتهى بوقفة رابعة . قد يعيد فيها  صياغة جديد للنظام الدولى .

ونستطيع حصر الترتيبات الدولية التى مر بها العالم مند نهاية الحرب العالمية الاولى وحتى يومنا هذا . والتى صاغت وتبلور على يدها النظام الدولى . الذى نُعايشه ويضبط ايقاع الحياة فى خطوطها العريضة على جغرافية هذا العالم البائس . فى ثلاث نمادج رئيسية , قد صاغة وشكلت الإطار الرئيسى . لِما تعارفنا عليه بمُسمى النظام الدولى . فقد نجحا اثنين من النماذج الثلاث فى ما جاء من اجل تحقيقه وتحققه كواقع ملموس على الفضاء الجغرافى للعالم . الذى مثل رقعة الركح . لما كان كل نمودج من النماذج الثلاث . يسعي ويجتهد بكل قدراته نحو اخراجها  فى مشاهد حيّة عاشها العالم . ولازال يعيشها فى بعض من جغرافياته .

اول هذه  الترتيبات الدولية . التى نجحت على نحو إيجابي فى ما جاءت من اجله . هى تلك الترتيبات تولت معالجة جغرافية غرب اوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية . وقد كانت فى صيغة حملت مُسمى مشروع إعمار اوروبا . وكان ذلك الاعمار قد تحقق على ايادى ما سُمى بمشروع مارشال بصيغته الامريكية  . فقد تمكن به الغرب الاوروبى من النهوض من تحت ركام الحرب . ومن ثم شرع فى الاندماج كمفردة رئيسية من مفردات العالم . التى شكّلت وتُشكل الحياة وتدفع بها نحو الامام نحو التقدم . ومن الشواهد الساطعة على ما تقدم . تظهر فى ما ناله ابناء القارة الاوروبية من التكريم وفى جميع المجالات العلمية  على يد الأكاديمية الملكية السويدية , المشرفة على اعداد وادارة مراسم جائزة نوبل .

وقد نضيف الى ذلك ايضا . ما نعتبره المخاض الى جاء من رحم الغرب الاوروبى  فى هيئة ثورة 68م الطلبية  . التى جاءت احتجاجا وسعيا نحو صياغة منظومة قيميّة جديد . فكرية . ثقافية . سياسية الخ , غير تلك المنظومة التى كانت سائدة حينها . والتى جرّت العالم وانتهت به الى حرب كالحرب الفيتنامية . وقد نضيف الى هذا النجاح الذى جاء نتيجة لتلك الترتيبات الدولية التى تولت جغرافية الغرب الاوروبى بعد نهاية الحرب الثانية . ما ظهر فى ذلك النضج الانسانى الذى دفع بالغرب الاوربى نحو عدم القبول بالانجرار الى الحرب التى طالت دمرت العراق . واشترط الغرب الاوروبى على الغرب الاطلسى المُتصدر والداعى لتلك الحرب . اصدار تفويض من الهيئة الاممية يُقر تلك الحرب ويؤكد شرعيتها .

وعلى المستوى الداخلى للغرب الاوروبى . جاءت ترتيبات الاعمار واثمرت نضج اوروبى . سعى نحو التأسيس لقاعدة اقتصادية موحدة للقارة . من خلال انشاء شركة الفحم والحديد والصلب . التى انتهت وتوّجت ببناء سوق اوروبية مشتركة , ونهض على اثرها الاتحاد الاوروبى والعملة الاوروبية المشتركة . ومن ثم انفتحت القارة على كياناتها عبر اتفاقية شنجن . وفى تقديرى . ان هذا النجاح الايجابى للغرب الاوروبى  . يرجع الى عدم تجاهل الواقع الجغرافى الديمغرافى للقارة . واعتماده احد الاسس التى نهضت عليها الترتيبات الدولية . التى تولت معالجة الفضاء الجغرافى للغرب الاوروبى بعد الحرب العالمية الثانية .

والصيغة او النمودج الثانى للترتيبات الدولية الناجحة فى تحقيق الغرض الذى اتت من اجله . هو النمودج او الصيغة التى تولت معالجة الفضاء الجغرافى لشرق وجنوب المتوسط . وقد جاءت على يد انجليزية تحت مُسمى مشروع سايس – بيكو  . فقد نجحت هذه الترتيبات على المحافظة على ديمومة واستمرار المشروع . الذى قارب عمره قرن من الزمان ولا يزال بكامل حيويته  . فالتخلف الذى جثم ولازال على هذا الفضاء الجغرافى الواسع . والحروب التى عصفت به و تخطت العشرة فى تعدادها , ناهيك عن القلاقل وعدم الاستقرار التى ضربت وعصفت ولا تزال بفضاء شرق وجنوب المتوسط  . والتى كانت وَبَالا على الحياة فى جميع ابعادها الانسانية والانمائية على جغرافيات هذا الفضاء . وهذه لا تعتبر او تعدْ وتُحسب كنقاط سالبة فى حصاد الترتيبات الدولية . التى جاءت على يد الانجليز لترّسيخ وتجذير مشروع سايس – بيكو فى هيئة منظومة وظيفيه عميقة فى هذا الفضاء الحيوى . بل يحسب كل ما عددناه له وليس عليه .  فمُجمل ما عددناه لا يخرج عن المواد والادوات والمفردات , التى تتشكل منها الطاقة التى تحتاجها وتحيى وتدار بها عجلات مشروع سايس- بيكو حتى يومنا هذا .

وقد يكون من احد الشواهد الساطعة فى وقتنا الحاضر على ما ذكرّته سلفا والتى نحسها نلمسها من على الجغرافية الليبية تحديدا . اصرار هذه المنظومة العميقة على التشبث بثنائية شرق البلاد غرب البلاد من طرف عرّبها من بيده ادارة شئون الملف الليبيى داخل مجلس الامن . والتى وبهذه الثنائية تستمر ديمومة وحيوية  التأزم العابث والمُسفِه لحيثيات حياة الناس بليبيا . فالمهم فى هذه الترتيبات الدولية استمرارية وديمومة المشروع التى جاءت من اجله .  وليس غير ترسيخ مفهوم  النفوذ ومناطق النفود . حتى وان جاء هذا على حساب البُعد الانسانى الانمائى للحياة وتكريمها لآدمية الانسان الذى يسعى فىجنباتها  فى هذا الفضاء الجغرافى الحيوى وفى غيره .

اما الصيغة او النمودج الثالث فقد جاء على يد المنظومة السوفيتية وتناولت جغرافية الشرق الاوروبى . الذى استطيع القول عن هذا النموذج . بانه عجز عن الصمود فى مُشاغلته لمعّترك الحياة  . وفى تقديرى يرجع ذلك الى طرحه الطوباوى الذى يتعارض مع جوهر الحياة في مُجملها . وقد ينّعكس ذلك . في ما جاء في بعض من  سرديات ادبيتها كقولها  . (كُل حسب جهده ولكل حسب حاجته) . وهذا لا يتوفق مع السرديات العملية للحياة الدنيا . وقد ينسجم مع الحياة في عدن . ولكن وفى كل الاحوال ليست عدن اليمن السعيد .

كنت احاول الوصول الى القول من كل ما تقدم . على العالم المتجه نحو اعادة النظر في صياغة جديد لنظامه الدولى . ان يستدعى الى طاولة الدولية . اثناء تناولها تداول التأسيس للنظام القادم  .  الترتيبات الدولية . التى تولت بمعالجاتها جغرافية الغرب الاوروبى  . لتكون حاضرة وبقوة في اجواء النقاش والحوارات المكتوبة والمتلفزة وفى داخل المنتديات وبالقاعات وخارجها الخ . . هذا اذا كان العالم جاد ويسعى الى مقاربة تؤسس  للآمن وسلم الدوليين  . ويكون استدعاء المقاربة الدولية لإعمار غرب اوروبا . مقرونة ومصحوبة بالمقاربة الانجليزية التى جاءت اثر الحرب العالمية الاولى  لفضاء شرق وجنوب المتوسط عبر صيغة سايس- بيكو . لكى يستفيد من هذا التضاد الذى ظهر على وفى مخرجات المشروعين . فاحدهما اُسس على قاعدة الاعمار . فاثمر نهوض ونمو وتقدم . فشارك بذلك في الدفع بعجلة الحياة الى الامام . وجدر امن وسلم دوليين ساد هذا الفضاء الجغرافى . والاخر نهض على قاعدة التأسيس للنفوذ ومناطق النفوذ . فاثمر تسّفيه للحياة في بُعّديّها الانسانى والانمائى . فكان حصادها حروب وقلاقل وتطرّف.  عصف ولايزال بالحياة سلبا في المحلى والاقليمى والدولى .

The post قراءة في النظام الدولى للعالم في كنف الحرب بأوكرانيا appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.