الجزء الثاني من التقرير التحليلي: حكومة عقيلة المزعومة.. انتشال وطن أم إنقاذ كرسي!؟
رغم حقيقة أنه لا يوجد فرق يُذكر لدى كلا من واشنطن ولندن والدوحة وأنقرة، بين أن يكون تكالة أو المشري على رأس مجلس برناندينو ليون العرفي، إلا أنه لا يمكن لأحد ادعاء وجود شخص سيكون أسعد أو أكثر مصلحة بحال انتهى ما جرى يوم “الثلاثاء الأسود” الماضي إلى عودة المدعو خالد المشري (خص نص) ليكون على رأس المجلس، من عقيلة صالح نفسه، وذلك بالرغم من حقيقة وجود فارق ضخم بينهما بالنسبة لليبيين أنفسهم، من حيث مسؤولية كلا منهما عن تكديس تراكمات الخزي السياسي والانهيار السيادي اللذين يعصفان بالبلاد، إلى جانب خلق وترسيخ الواقع المعيشي المهين والأليم الذي يغرق فيه الليبيين منذ ما يربو عن الخمسة عشر عاما.
حيث يمتد هذا الفارق عبر زمن طويل ومروع، لا يتحمل فيه تكالة أكثر من نتائج عضويته العامة بالمجلس واستخدامه لصوته بصورة فردية فيه، بينما يُعد المشري (وعلى طول الخمسة عشر عاما) واحدا من أخطر الوجوه المسؤولة عن تفكيك الدولة لحساب مصالح أجنبية خالصة، والتأسيس بدلا منها لدولة سرية عميقة وشريرة، والتفريط باستقلال البلاد بجلبه وحمايته وتوسيعه للاحتلال الأجنبي الهجين، وتقويضه لكل فرص صون الاستقلال واستعادة الاستقرار، الذي كُتب على الليبيين أن يكون هو شريكا فيها، لا سيما وأن ما يُعظم من جرائم هذا الشخص، هو أن قتله لفرص إعادة السلام للبلاد التي قُدِر لها أن تقع بين مخالبه، قد جاءت بأوقات ثمينة جدا – بل وبالدقائق الأخيرة – التي سبقت الغزو والاغتصاب العسكري الأجنبي للبلاد، الذي لم يكن موجودا منه على أيام الفرص التي أحرقها المشري، إلا قليل من شراذم العسكريين الطليان، وبعض من القوات الأجنبية الخاصة، التي كانت تنتشر سرا قصد التدخل السريع لحماية أجانب جلهم شخصيات سرية أو مكوكية، تحسبا لتعرضهم لنفس مصير السفير الأمريكي ستيفنز في بنغازي.
ولعل أكثر ما يثير السخرية هنا، هو أن العار الذي جرى بمجلس برناندينو ليون قبل أيام، قد كشف عن عمق (الخزي الديمقراطي) الذي عليه اللائحة الداخلية للتيار (الإخواني الثوري) الذي لطالما أظهر تشددا كبيرا وتشدقا واسعا تجاه ما يسميه (بالحفاظ على القيم الديمقراطية ومبدأ توسيع قاعدة المشاركة السياسية)، والذي بلغ على امتداد السنوات العجاف الجاريات، حد تحريض هذا التيار على اندلاع الاستنفارات العنفية وحرق البلاد، دفاعا على ما كان يصفه دائما بنصرة الحريات السياسية والتداول السلمي على منابر الحكم، بل وحد إلصاقه لصفة الشهيد بكل من قُتل منهم بحروبهم الأهلية التي يصفونها بحروب الديمقراطية، ولقد تجلى هذا الخزي الديمقراطي بإعادة اكتشافنا يوم الثلاثاء الأسود الماضي، وللمرة العاشرة، إلى أن اللائحة الداخليه لهذا المجلس العرفي، قد صُممت عمدا لتسمح فعلا لشخص واحد بتقلد حكم المجلس لعدد لا نهائي من المرات، أي وفقا للمبدأ الميكافيلي (ما يردك عالمرّيسة كان حسن أخلاقك وقلة قرشك)، بل لعل ذروة السخرية أو المسخرة، هو أن المدعو المشري لم يفوت انتخاب واحد لمجلس برناندينو ليون إلا وكان طرفا فيه.
بل ها هو هذا المشري، الذي يبدو أن الشيطان قد وسوس له بأنه لم يولد إلا ليحكم ليبيا، يتكالب وللمرة السادسة على حكم مجلس الدولة العرفي، وكأن أمهات أعضاء وعضوات المجلس لم يلدن غيره، ما جعل عدم وجود قيد يحدد مدة رئاسة مجلس ليون يدفع بالتنافس على رئاسته ليكون حِكرا على من يملكون الملايين (هم أو من يعملون وكلاء لهم) ويعاقرون الاستعداد لشراء ذمم الناس وإفساد الحياة السياسية الوليدة للبلاد، وهو ما خلق بيئة ملائمة لتحريض دولا أجنبية على اقتحام هذا المزاد، لأجل فرض “خلايقها البشرية الموحشة” على الليبيين بمناصب شديدة الحساسية، وبوقت ترزح فيها البلاد تحت الاحتلال، ويقع كلا من استقلالها واستقرارها تحت وطأة محنة وكرب عظيمين.
وإلا دعونا نتصور حال هذا المجلس العرفي، لو أنه وسّع من قاعدة المشاركة السياسية برئاسته، كما تدّعي بذلك (وبمغالاة) أدبيات التيار الغالب عليه، وأتاح فرص تبادل القيادة بين أعضاءه، الذين يوجد بينهم الكثير ممن هم أكفأ وبسنوات ضوئية من هذا المشري، وذلك بتقييد رئاسته بدورتين أو ثلاث فقط، حيث أن وجود هذا القيد بلائحة المجلس كان سيجعله مجلسا ديمقراطيا حتما (على عُرفيته وعلاته)، كما كان هذا القيد سيجدد الدماء فيه بصورة تخلق الدينامية اللازمة والمطلوبة لانتهاز الفرص المناسبة ومنع ضياعها من خلال تجديد وخلق “الأفكار الأفضل والاطروحات الأصلح”، وتجنيب تحول المجلس إلى مُخثر للدم وسبب للانسدادات السياسية الناشئة عن تفاهة (عناد وقرف تبادل حكام المجلسين للكره الشخصي الصبياني والسخيف)، والذي لطالما ضاعف من مأساة دولة مأزومة أشد التأزم وهي بزمن في أمس الحاجة فيه إلى حماية دورتها الدموية السياسية من التختر والتجلط الدموي، كما أن وجود مثل هذا القيد كان لا بد وأن يزيد حتما من صعوبات اختراق أجهزة المخابرات الأجنبية للمجلس، بل وكان هذا الاختراق سيكون مُكلفا بسبب التغيير المتلاحق بوجوه القادة، ولهذا أُعد الحكم الرشيد واحد من أهم الأدوات الكلية بمكافحة الاختراق الأجنبي، وهو ما كان يمكنه أن يهدد أيضا بإرهاق التدخلات الأجنبية، وفضح أمرها نتيجة محاولات توسعيها لاختراق مزيد المترشحين، ما كان سينتهي حتما إلى خروج رائحة هذا العفن، لا سيما وأن هذه الاختراقات كان لا بد وأن تصطدم يوما بعضو (أتم حليب أمه) لتجد الجهات الأجنبية المتورطة نفسها، وقد أضحى غسيلها منشورا على حبال كل بيت ليبي.
بيد أن حالة حرية الترشح المفتوحة (التي سمحت لشخص كالمشري أن “أيقاحر” غيره على مرة سادسة لحكم المجلس) قد جعلت من تعاطي أجهزة المخابرات الأجنبية مع بلادنا هو الأرخص عالميا، لكون كلفة اختراقها لنا لا تحتاج للأكثر من التعاطي مع 20 ملف ليبي على أكبر تقدير، وهي التي توجد وحدها على الأغلب على طاولة كل رئيس من رؤساء هذه الأجهزة الذين يستهدفوننا بأذاهم: وهي ملف طاغية البرلمان الصامد، وملفين للطاغيتين المتبادلين على مواقعة كرسي رئاسة مجلس برنادينو، وملف لرئيس حكومة بات ينُصّب ويُعزل على أيديهم، وعشرة أو خمسة عشر ملف، على الأكثر، لأمراء الحرب الرئيسيين الذين اخترقوا كلا منهم (ومن زمان) من “منفسه” وحتى “لوزتيه” وصلي وارفع سباطك.
ولعل البُعد الأخلاقي الذي كان سيوفره هذا القيد، هو استقامة وجوده مع موجات التشدق والعنف الذي يمارسه أصحاب هذا المجلس على أعصاب الليبيين منذ الـ2011، بنفاق وصفهم لحروبهم وأنفسهم بفرسان النضال الديمقراطي، أو على الأقل لكم كان هؤلاء سيُسوقون نفاق مهاجمتهم لطغيان عقيلة على رئاسة البرلمان بصورة أكثر أخلاقية أو قل استساغة، بدلا من وضعهم الحالي الذي يخضع للوصف القرآني (اتدعون الناس للبر وتنسون أنفسكم)!؟ حيث أنهم بحالهم هذا، لا يختلفون البتة عن عقيلة صالح في شيء، وهم الذين يختزلون رئاسة المجلس بوجهين لا غير، مع ثالث غالبا ما يمثل دور الوصيف، أو القشاش (أو صاحب الرصاصة الأخيرة)، بجمعه لعدد من الأصوات الحاسمة، التي ما أن تنتهي الجولة الأولى حتى يقوم بتوجيهها هو أو من يعمل لديه، وضمن ترتيبات متفق عليها بعناية سلفا، لتدفع إلى صعود أحد الوجهين إلى المنصة وتواري الآخر في العتمة إلى حين، بيد أن كل هذا لا بد وأن يجري أسفل جزمة شرطهم الاستراتيجي، وهو أن لا يخرج تلكما الوجهين أو الثلاث عن تيار وأيديولوجيا بعينيهما، وأن لا يحيد الرابح عن ارتباطه بالمصادر الخارجية التي يستمد منها التيار قوته، وبمعنى أكثر وضوح، أن لا تختلف هذه الوجوه عن بعضها إلا بتقاطيع سحنات وجوهها، وبمعنى أشمل وأكثر مباشرة، فإن طغيان عقيلة الفردي على البرلمان، والذي يأتي من كون عقيلة شخص هلامي لا منتمي إلا لنفسه ومصلحته الخاصة، إنما يقابله “طغيان فكرة أو تيار” على مجلس الدولة، وهو تيار لا ينتمي أيضا إلا لنفسه ومصلحته الخاصة، وعليه فإنه لا يغير من شبهه لعقيلة أو واقع طغيانه على المجلس أن يقوده (زعيط أو معيط)، حيث أنها أينما أمطرت في المجلس، فخراجها للتيار.
فيما تهم عودة المشري هذا المقال!؟
بيد أن ما يهم هذه الورقة من احتمال عودة المشري، هو أن ما انتهى إليه المجلس العرفي يوم ثلاثائه الأسود، لا بد وأنه سيضيف (بحال أضحت هذه العودة أمرا واقعا) إلى دوافع الرجمة الاستراتيجية للإطاحة بعقيلة (والتي كنا قد انتهينا من تقديمها في الجزء الأول من هذا التقرير التحليلي) دافعا استراتيجيا خامسا، بل ولعله سيكون الدافع الأبرز الذي سيقفز فوق رؤوس كل دوافع الرجمة الأخرى لتعجيل إطاحتها بعقيلة، وذلك بالرغم من كل الضغوط التي ساقتها قبل أيام زيارة عباس كامل الفاشلة – بحسب الأنباء –إلى الرجمة لأجل الشفاعة لعقيلة، وهي الزيارة التي أثارت ذعري شخصيا، لكون هروع رئيس المخابرات المصرية وهو بقمة انشغاله باشتعال وتفجر الأوضاع في غزة والإقليم ومع تعاظم احتمالات اندلاع حرب إقليمية كبرى بأي لحظة ستكون بلاده من أكبر الخاسرين فيها، إن تركه لكل هذه المسؤوليات الجسام وراء ظهره لأجل إنقاذ عقيلة، إنما يعكس أهمية استثنائية لهذا الأخير لدى دولة أجنبية، لا بد وأن تثير قلقنا العميق مهما كانت مكانة هذه الدولة لدينا، ورغم أن هذا الهروع المخابراتي الكبير يمكنه أن يشي بأن عقيلة يتمتع بأهمية أكبر حتى من أهمية الرجمة نفسها لدى القاهرة، إلا أنه يمكنه أن يعني أيضا بأن القاهرة لا ترى أهمية لمصلحتها في ليبيا (بغض النظر عن مصلحة الليبيين) إلا بتكامل الطرفين “السياسي – العسكري” بشرق البلاد، وبمعنى أنها تدرك بأنه لن يستقيم لها أحدهما إلا بوجود بعبع الآخر.
وأما الاحتمال الأخطر فهو احتمال أن حماية القاهرة لعقيلة إنما يعود إلى تفضيلها لاستقلال علاقتها مع كلا منهما عن الآخر، بل وضمن بقاء حالة الصداقة اللدودة وتعارض المصالح بينهما، ولعل هذا ما يجعلها ترفض وتعارض أن يكون أحدهما مسيطر على الآخر – بل إن هذا ما لطالما هرعت لمنعه بأسرع الآجال – لأنه سيحرمها من الفرص التي يتيحها لها القفز على الحبل المشدود بينهما بطريقة حرة وواسعة، كما أنه يمكن لاستمرار هذا الوضع بينهما أن ييسر لها أيضا حماية مصالحها من خلال إثارة الغيرة السياسية بينهما وتسليط ضغوط أحدهما على الآخر، ولأن نجاح الرجمة بالإطاحة بعقيلة واستبداله بشخصية موالية لها سيختزل حلفاء القاهرة بشرق البلاد بالرجمة فقط، بل وسيضطرها إلى التعامل معها حصرا حتى عند حاجتها إلى البرلمان، الذي لن يقبل رئيسه الجديد بالتعامل أو التعاون معها دون موافقة الرجمة، فإن القاهرة ستحاول ما استطاعت منع هذا الواقع من الظهور لكونه لا يلائم طموحاتها في ليبيا، بل لعل الأمر الأكثر تنافرا هنا هو تعارض المصالح الحقيقي بين القاهرة والرجمة تجاه عودة المشري إلى سدة رئاسة مجلس الدولة، حيث أنه وبينما ترى الرجمة بهذه العودة تهديدا كبيرا لها وفرصة مهمة لعقيلة للاستقواء عليها، فإن القاهرة تراها من أهم الفرص التي عليها اغتنامها لزيادة نفوذها وتمددها في غرب البلاد، بل واستخدام المشري (عالما أو غافلا) كأداة من أدوات التأثير على التناقضات القائمة بغرب البلاد، وذلك من خلال تشجيعها لعقيلة على إحياء وتطوير علاقته مع المشري وتوجيهها لنتائج هذه العلاقة باحتواء هذا الأخير.
بيد أن الرجمة لا يبدو أنها ستجد مناصا من هذه الإطاحة (والتي يبدو أن أقصى ما تستطيع تقديمه للقاهرة من تنازلات بشأنها، هو التشاور معها حول بديل مناسب تثق القاهرة بمراعاته لمصالحها) وذلك لكون هذه الإطاحة ستكون – ولا سيما بحال عودة المشري – هي السبيل الوحيد لإجبار هذا الأخير على إدارة مشاريعه السوداء بالبلاد بيد وساق مبتورين، حيث أن الرجمة لا بد وأنها تقدر الآن بأن تخلصها من عقيلة، سيكون هو السبيل الأفضل لمكافحة كل آفات عودة المشري التي ستتحرك باتجاهها، وعلى رأسها تصفير كل أذاه الذي يمكنه أن يتسلل إلى عقر دارها عبر كواليس (عقيلة الرئيس).
ولعل واحدة من أكثر النُكت سخفا التي سمعتها فور ذيوع إشاعة فوز المشري برئاسة مجلس برنادينو ليون، هي نكتة أن الأيام السوداء للدبيبة قد بدأت مع مجيء (سبع البرمبة) هذا لرئاسة المجلس، وذلك بإقران صاحب النكتة (كما يبدو) لعودة المشري بعودة الهراوة التركية (التي هشمت البلاد) إلى يده، بل ولقد بلغ ضلال تلك النكتة حد تبشيرها للدبيبة بأنه عليه أن يبدأ بعد وإحصاء ساعاته الأخيرة التي اقترب انتهاءها – بحسب النكتة – على يد سبع البرمبة الذي جاءت به لائحة مستبدة وفوز مشبوه، ما يعني أن صاحب هذه النكتة إما أنه يصيغ نكاته على وزن ما يتمنى، وإما أنه غافلا تماما على أن (القحف التركي) الذي يلعق منه سبع البرمبة، إنما هو ذات القحف الذي يزوده الدبيبة نفسه وليس المشري بأنقى المياه وأعذبها، وإن واشنطن هي التي تمسك “بالمالقي” الذي يدلق الماء بهذا (القحف) نيابة عن الدبيبة وليس المشري، كما أن من الواضح أن صاحب هذه النكتة لم يدرك بعد أن شعرة واحدة من أسفل إبط الدبيبة، تساوي بالنسبة (لواشنطن وأنقرة) اليوم، كل سلالات المشري وأعضاء مجلسه.
طيب.. الآن وبعد أن أمعنا بتقديم ما قدمناه من أدلة وقرائن (وهي كثيرة)، على طول الجزء الأول من هذه الورقة، حول حكومة عقيلة المزعومة، التي تقول حقيقتها بأنها ما أراد منها صاحبها إلا ابتزاز ومقايضة الرجمة بصفقة إلغائها مقابل تخلي الرجمة على مشروع الإطاحة بعقيلة من رئاسة مجلس النواب، والتي بينا كيف يمكن لوجودها أن يكون محرجا فعلا لحمّاد والرجمة معا بحال المضي بتشكيلها، ولو لجهة إصابتهما بالصداع و”دراه الكبد” المقلقين، ولعل زيارة رئيس المخابرات المصرية المفاجئة والصادمة قبل أيام إلى الرجمة، وهو بقلب انشغالاته المرعبة وسط تواصل جرائم الحرب الصهيونية والإبادة الجماعية في غزة، وتصاعد التهديدات المتصلة باندلاع حرب إقليمية واسعة ستكون بلاده الخاسر الأكبر فيها، أهم تأكيد لخطورة نية الرجمة بالتخلص من عقيلة، على الأقل بالنسبة للمصالح المصرية في ليبيا.
وعليه دعونا نركز بما بقي من سطور هذا التقرير التحليلي، على إفادة المتلقي الكريم بفهم أهم وضعين بظروف ليبيا الراهنة وهما:
وضع عقيلة صالح، الذي هو أعجز من أن يكون قادرا على تشكيل حكومة ولو لمدينة القبة وحدها، فما بالك بتشكيله لحكومة مناطقية أو مركزية.
وأما ثاني هذين الوضعين، والذي على عقيلة أن يفخر به ويعتز، فهو أن عجزه هذا قد ساواه بعجز رؤوس كبيرة وضخمة، لو قارناها برأس عقيلة، لكنا كمن يقارن بين “حبة حلبة” وسلسلة “جبال الهملايا”، وبمعنى أن عجز عقيلة التام عن تشكيل حكومة على أي نحو كان، إنما يتساوى تماما مع عجز كلا من واشنطن ولندن وموسكو ومجلس الأمن الدولي ومنظمة أنطونيو غوتيريش عن فعل ما يعجز عنه عقيلة، حيث أن هؤلاء جميعا هم أعجز ما يكونوا بوضعهم الراهن عن تشكيل حكومة جديدة في ليبيا، مناطقية كانت أم جامعة، وهم أعجز ما يكونوا عن إجراء انتخابات رئيسية فيها، كما أن كلا منهم أعجز ما يكون (ولو كانت أمريكا) عن احتلاله لليبيا فردا، وكلا منهم أعجز ما يكون على حسم الوضع في ليبيا لصالحه حصرا وعلى أي نحو كان.
وعليه فإن أي انفراج في ليبيا شكليا كان أم جوهريا، لن تظهر بوادره الأولى قبل عام ونصف (من يومنا هذا) وذلك كحد حالم أدنى، بيد أن هذا الحلم لن يتحقق سواء بعد عام ونصف أو بعد قرن من اليوم إلا ضمن شرط واحد ووحيد، يعد من بين أشد الشروط سوء وتعقيدا وصعوبة، وهو شرط تحقق وحدة إرادة القوى الخمسة الكبرى، والتي لا ينتظر لها أن تتوحد – لبالغ الأسف – قبل نهاية الحرب بأوكرانيا واستقرار الأوضاع فيها، علما بأن كل مظاهر السياسات والمؤشرات الدولية تشير إلى أن الحرب الأوكرانية مرشحة من الناحية العملية للتمدد وتفجير حروب أخرى، بينها حرب عالمية محدودة، وليس انتهاء الحرب بأوكرانيا وعودة استقرارها.
وعليه فإن تقدير العام ونصف أعلاه، هو تقدير جد إيجابي حد أنه يدفعني لتحذيركم من أخذه على علاته لأنه غالبا ما يكون مبالغ فيه بالنظر إلى الحقائق الأقرب إلى الواقعين الدولي والليبي، بل إن الأقرب، والأقرب جدا، إلى مستقبل البلاد بحسب خبراء عسكريين استراتيجيين ومصادر ديبلوماسية وإعلامية قريبة من دوائر صناعة القرار الغربي، هو استعداد ليبيا، ليس لاستقبال حكومة مركزية وانتخابات، بل لاستقبال اشتعال حروب وكالة إنجلوسكسونية روسية فيها، وهي الحروب التي تقول هذه المصادر بأنها ستجر ليبيا لتكون الضحية الرابعة للصراع الدولي العنفي المحموم بعد سوريا وأوكرانيا وغزة.
إن افتراض وجود القدرة لدى عقيلة على استبدال حكومة حماد بحكومة مناطقية أخرى، إنما هو افتراض صبياني سخيف، أولا لأن الرجمة لن تطلق عصفورا “يفرفرط” عمليا بين يديها، لتلاحق عشر طيور على شجرة عقيلة، والتي قد تكتشف الرجمة لاحقا – وهو ما يبرره انهيار ثقتها بعقيلة – بأنهم أفراخا لطيور جارحة ومن سلالة عدوة لها، وأما ثانيا فلأن وجود هذه الرغبة لدى عقيلة لن تلق من الرجمة إلا الرفض والمعارضة الصارمة، لكون الرجمة لن تسمح لعقيلة أبدا بتوريطها بإنتاج حكومة إقليمية أخرى لتُظهرها أمام أنصارها وأعدائها معا بمظهر الكيان الانفصالي (وهي المحسوبة على التيار القومي العروبي)، ورغم أن مطبخ عقيلة وليس مطبخ الرجمة هو الذي أشرف على طبخة حكومة آغا ظاهريا، إلا أن الرجمة هي التي تولت النفخ بصرة هذه الحكومة وتسويقها على أنها جاءت لتجنيب البلاد مزيدا من ويلات التورط بالانقسام والتشظي عقب إجماع منافسي وكارهي حكومة الدبيبة على تحميلها مسؤولية فشل الانتخابات والحكم عليها كنتيجة لذلك بانتهاء ولايتها (على خطأ وعلات هذا الاعتقاد)، هذا إلى جانب أن الرجمة هي من قدمت وبقوة بعث حكومة آغا على أنه البديل المناسب الذي يمكنه تنفيذ الاستحقاق الانتخابي (على خطأ هذا الاعتقاد وعلاته أيضا)، ومن هنا فإنه ما كان لأحد أن يوصم الرجمة بالنزعة الانفصالية بإنتاجها لحكومة آغا، وهي التي جاءت بشخص من غرب البلاد، ومن أشد المناوئين السابقين لها وأقواهم بأسا عليها، ليكون على رأسها.
وعليه فإن الرأي الغالب إن لم يكن الأوحد، هو أن الرجمة لن تسمح لعقيلة أبدا بتوريطها بالظهور للناس بمظهر الجهة المتورطة بتعديد الحكومات الإقليمية بالبلاد، لا سيما وأن الرجمة والكثير من نخب أنصارها وأعدائها معا، يدركون تماما بأن تراكمات وجود الحكومات الموازية وأنشطتها وأفعالها يمكنها أن تُشكل أخطر التهديدات على وحدة البلاد، من خلال تحريض وجودها نفسه (ودونما حتى حاجة إلى وجود روافد أخرى) على تضخيم روح الاستقلال بالقرار، وتعميق نزعة الاعتماد على الذات، وتنمية وترويج بيئة الحكم الذاتي، وزيادة وازع الرغبة في الانفصال والتشظي المناطقي، ولعل المثل السوداني ما قبل التقسيم، والأوضاع العراقية واليمنية والسورية الراهنة تنضح نضحا بشدة صدق هذا الواقع وتقديمه لأسوأ الأمثلة على صحة هذه الحقيقة، بل أن الرجمة ستكون بغاية الحرج أمام أنصارها بحال مسايرتها لرغبة عقيلة هذه، لا سيما وأنها قد سبق لها وأن قدمت حكومة آغا (بحسب أدبيات الرجمة الإعلامية التي صاحبت تشكيل هذه الحكومة) على أنها حكومة جامعة لكل الليبيين، وأنها قد جاءت نتيجة لتورط حكومة الدبيبة (عقب فشلها بتحقيق انتخابات 2021) بتقسيم القوى السياسية والمليشيوية والمناطقيه بالبلاد أشد التقسيم، وتورط البلاد ببروز جدل عنفي شديد بين هذه القوى حول شرعية استمرار حكومة الدبيبة، وهو الجدل الذي انتهى لدى الفريق المعارض إلى اعتبار حكومة الدبيبة حكومة منتهية الولاية، وهو الوضع الذي أججه الدبيبة نفسه لاحقا، من خلال توزيعه لريوع نفوذ البلاد وثروتها على لوبي بعينه يشترك بوحدتي الدم والجين وغالبا بوحدة اللقب.
وذلك بالرغم من حقيقة أن كل الصراعات التي جئنا عليها آنفا قد انفجرت بسبب الصراع بين بارونات المليشيات والجريمة المنظمة ونتوءاتهم السياسية على الثروة والنفوذ، وليس بسبب فشل حكومة الدبيبة بإجراء الانتخابات، حيث أنه لم يعد غائب اليوم إلا على عميل أو أهبل، أن واشنطن ولندن وليس حكومة الدبيبة، هما اللذين ألغيا وأفشلا انتخابات 2021، وهي المهمة التدميرية التي أعادا لأجلها ستيفاني وليامز خص نص وبطريقة مريبة قامت على طرد المبعوث إيان كوبيش قبل حتى أن “يربعن” بمنصبه بهدف إخلاء الأجواء لوليامز لتفجير الانتخابات وإعادة البلاد إلى التوازي الحكومي، كما أنه لم يعد غائبا على أحد أن إلغاء الانتخابات قد تم بسبب مشاركة سيف القذافي، وليس بسبب الدبيبة الذي كان مشاركا فيها، بل ولعل الدبيبة كان الخاسر الأكبر من إلغائها، باعتباره كان الأكثر حظا بالفوز بنتيجتها، في ظل ما خلقه لمصلحته بواسطة المال العام، من حزم اجتماعية استطاع أن يستميل بها لناحيته الكثير من الشباب والأسر، وهي الفرصة التي لن يحظى الدبيبة بمثلها مرة أخرى ولو استعان بجان الملك سليمان.
كما أن إعادة ليبيا للتوازي الحكومي بواسطة إعادة زرع حكومة باشاغا بشرق البلاد، إنما هو قرار مخابراتي إنجلوسكسوني وليس قرارا ليبياً على الإطلاق، لكون الليبيين لم يشاركوا بهذا القرار بغير دور الفريسة الجشعة الرعناء التي كانت ضحية طُعم صُمم ليناسب أحقادها، بل ولقد اتخذ القرار الإنجلوسكسوني من الأساس، لتكون حكومة آغا موازية ومقرها بنغازي، بل وليس حتى سرت، التي ما أن نقل آغا حكومته إليها حتى دبروا له مكيدة طرده منها، والمجيء بخليفة لهم وهم على يقين من أنه لن يخرج بحكومته من بنغاري مليمترا واحدا، وذلك بالرغم من أنهم قد سبق لهم وأن وعدوا آغا قبل تشكيلها بأن مقر حكومته سيكون بطرابلس ولكن عقب نيلها لثقة البرلمان، ولأن آغا لم يكن يطمح لقيادة حكومة موازية تقوم على الإنفاق المجهول، فقد حاول فور انتهاء مدة (يبدو أنه قررها برأسه) بمهاجمة طرابلس للإطاحة بالدبيبة، بيد أن واشنطن ولندن ومعهم أنقرة هذه المرة، لم يترددوا أبدا بتسليط الطيران المُسيَّر التركي ليقوم بسحق قوات جويلي فور مهاجمتها طرابلس وردها على عقيبها.
بل أن اختيار آغا نفسه ليكون على رأس الحكومة التي يسعى عقيلة اليوم إلى تفكيكها، لم يكن اختيارا محليا أبدا، بل كان اختيارا أجنبيا خالصا ولأسباب أهمها أن تكون هذه الحكومة مكافأة له على امتثاله لهزيمته أمام الدبيبة بجنيف، وثانيا لكونه من صقور أمراء الحرب وأقربهم إلى القلب الإنجلوسكسوني لجهة أهليته لتنفيذ الكثير من سياساتهم في ليبيا بأوقات لاحقة، ما استوجب ضرورة احتواء غضبه سريعا بمنصب يرضيه ويُلبي حاجة الإنجلوسكسون بإعادة ليبيا إلى حالة الانسداد الاستراتيجي، وأما ثالثا فهو رغبة واشنطن بزيادة تأجيج الاحتقان بالبلاد الذي انفجر نتيجة انتخابات جنيف الملطخة بالرشي وبيع الذمم، وذلك لتعود هذه الواشنطن وتعلق هذا العنف من جديد في صورة إرضاء فريق آغا المهزوم بحكومة موازية، ولتبقى بذات الوقت على ما حققته من احتقان معلقا وجاهزا للانفجار فور حاجتها لإشعاله من جديد، وأما رابعا وهو الأهم، إن لم يكن الأشد أهمية، فهو نجاح الإنجلوسكسون بعد نسفهم لانتخابات 2021 بإعادة فرض التوازي الحكومي على البلاد من جديد، وذلك تحسبا أو ضمانا لمنع الليبيين من الاستفادة من الفراغ الاستراتيجي للصراع بحل أزمتهم ذاتيا وهم القادرون على ذلك، لا سيما مع انشغال القوى الإمبريالية عنهم كليا، بتطورات حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة الكبرى التي هزت العالم هزا على أيامها.
بيد أنه وبعيدا عن مصير بريجوجين أو الدرسي، الذي يمكن أن ينتهي إليه مصير عقيلة صالح فعلا، نتيجة إصراره على إظهار مناوئته للروس على تراب باتوا يعتبرونه من أهم مناطق نفوذهم وأكثرها واعدية لمصالحهم الاستراتيجية بعيدة المدى، دعونا نستطلع مصير ثاني احتمالات إنتاج عقيلة لحكومته المزعومة، وهو احتمال سعيه لتشكيل حكومة جامعة.
ولعله من المؤسف جدا هنا، لنا ولعقيلة على السواء، تلقي هذا الأخير لرد حازم وحاسم على نيتة بتشكيل حكومته المزعومة، قبل حتى أن يستقبل بقبته أول المترشحين لها، بل ولقد جاء ذلك الرد صاعقا حد أنه يستحق أن يندى له جبين كل ليبي وتنمل له أطراف كلا منا حد سكونها، وهو الرد الذي جاء بأسرع مما توقع الجميع في صورة بيان لخوري، والذي لم توجهه للرد على نية عقيلة أصلا بإنتاج حكومة، بل وجهته للرد على المبادرة المصرية التي حشدت فيها القاهرة ما يقارب عن الـ100 مُشرع واستشاري ليبي، لتعويض – ولو نظريا أو ظاهريا – قهر الجمود والتجميد بل وانسداد حتى أفواه وأنوف وفروج الليبيين وتعطيل بلادهم عن الحياة والتنفس الذي تفرضه علينا خوري منذ أن ابتلانا الله بها.
ولقد جاء بيان أو رد خوري ذاك، ليكون الأشد وقاحة، بين كل البيانات التي أصدرها من سبقوها من مبعوثين أممين، حيث أنه ورغم استهلالها لبيانها بعبارات تخديرية من نوع التعبير عن (ترحيب البعثة الدائم وتشجيعها لليبيين على التقارب والتلاقي)،وتعزيزها لهذه العبارة، بعبارة “خشخاشية” أخرى وهي (تطلع البعثة للبناء على ما جاء بلقاء القاهرة)….. إلا أن المجيء بتلك المخدرات اللغوية، لم يكن إلا استجماعا لقبضة خوري لتوجيه لكمتها القاضية إلى وجه القاهرة والنواب المائة، وعقيلة وحكومته الوهمية، بل ولوجوه الليبيين جميعا، وخاصة لوجه كل من يتجرأ من أشقاء الليبيين أو أصدقائهم أو حلفائهم (هذا إن وجد منهم أحدا أصلا)، أو حتى من الليبيين أنفسهم، على محاولة الخروج من أسفل جزمة بعثة الوصاية، أو التحرر من فكرة كوننا قاصرين، التي يفرضها علينا واقع قانون الوصاية الأجنبية الذي ضمنته خوري لبيانها المشار إليه بكل وضوح وبلا خجل، لتختم بيانها بعبارة حوصلت بها حقيقة نواياها تجاهنا، أو حقيقة نوايا من نصّبوها على رؤوسنا، حيث لا فرق، وهي العبارة: (وتذكر البعثة بأنها ستواصل بمقتضى تفويض الوصاية الصادر لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2702 / 2023، جهودها لمعالجة جميع القضايا الخلافية)، ولا اعتقد بأن من تُذكر شعبا بأنه شعب من القاصرين، الذين تشكل ممارستهم لاستقلالهم وحريتهم وسيادتهم على أرضهم خطرا عليهم، يمكنها أن تحمل ذرة احترام واحدة للشعب الذي باتت تتصور أنها تحكمه، لتسمح بعدها لهذا الشعب بتشكيل حكومة، أو حتى بإقامة مركز شرطة حقيقي، أو سرية عسكرية محترفة، بعيدا عن فرض إرادة من تمثل وصايتهم على الليبيين.
كما أنه لا يوجد ببعيد عن نفق الليبيين المظلم حالة الموت السريري التي يغرق فيها مجلس الأمن الدولي بغيبوبته العميقة، والتي زاد من بلل طينه اللازب، الرفض الروسي الصيني لخوري، الذي بات يتصاعد ويزداد، ما سيجعلها عاجزة أو مقعدة كليا – وهو ما يمثل حقيقة حالها مذ جاءت إلينا وبكل معنى الكلمة – عن اتخاذ أي خطوات أو إجراءات على غرار ما قام به كلا من ليون في الصخيرات ووليامز في برلين وجنيف، ما يعني وبكل وضوح تكدس صعوبات وعراقيل لا حد لها أمام قدرة بعثة الوصاية أو ما يسمى بالمجتمع الدولي، على إنتاج الآلية الأجنبية لإنتاج سلطة أجنبية جديدة، أو حكومة جامعة في ليبيا، ما يعني أن (الآلية أو الدجاجة أو السلحفاة أو السيدة التمساحة)، التي ستبيض بيضة “حكومة أجنبية جديدة”، لم يبعثها الإنجلوسكسون بعد إلى هذه الدنيا الفانية لكي يتنافس عليها المتقدمين بملفاتهم لخوري أو عقيلة أو لبرامج رعاية الموهوبين، ولعله من أسخف ما كُتب على الليبيين أن يعايشوه، هو تنافس نفر من الناس فعلا على بيضة عقيلة المجهولة، بل واختلاف تنافسهم على هذه البيضه بين من يسعى لإغرائنا بتقديمها لنا في صورة عجة هندية، وبين من يريد أن يصنع لنا منها شكشوكة مفلفلة، وبين من يحاول إقناعنا بأن الأفضل هو أن يرقد عليها ليمنحنا منها مشروع كتكوت (قرين وعد) برعايته له حتى يصبح فروجا عربيا طيبا وشهيا بأقرب الأوقات، وذلك بينما (صاحبة الدحية نفسها) سواء أكانت سحلية أو لفعة، والتي ستبيض لنا بيضة الحكومة الموعودة، ما تزال نطفة بظهر أبيها، هذا إن كان أبوها قد وُلد أصلا هو الآخر.
وأما أخطر من تمتد على عتبة ليبيا، وهي جاهزة لتفجير البلاد فور المساس بمصالحها التوسعية فيها والتي أصبحت تمثل مصالح وجودية لها، فهي موسكو، التي تتقاسم مع غريمتها واشنطن البلاد بحصة تتجاوز النصف، ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الموسكو سترفض قطعا قيام حكومة جامعة في طرابلس، ولا سيما إذا ما طُلب منها هي نفسها المشاركة بإجازة هذه الحكومة وإعلان اعترافها بها عبر مجلس الأمن الدولي، لكون هذا لن يكون إلا انتحارا روسيا بواحا، في ظل حقيقة أن واشنطن لن تنفك عن ممارسة الضغوط على هذه الحكومة فور استقرارها بالعاصمة بطرابلس، حتى تنتزع منها قرارا بمطالبة الروس بمغادرة البلاد فورا، ولسوف لن تُغيب واشنطن جهدا من أجل استخدام هذا القرار بإزعاج ومضايقة ومحاربة الروس حتى تحقيق طردهم من البلاد، وعليه فإن “موسكو الغبية” وحدها، والتي هي غير موجودة عمليا، هي التي يمكنها توريط نفسها بمنح واشنطن مقصلة بيديها لتقطع لها بها رأسها في ليبيا.
وعليه فإنه لا الاحتلال الإنجلوسكسوني لغرب البلاد، ولا الاحتلال الروسي لشرق البلاد، ولا طبيعة موقف موسكو من منح شرعيتها لحكومة طرابلسية لتنحرها بها واشنطن من الوريد إلى الوريد، ولا صراع حرب الوكالة الذي يحضر له الروس والأمريكان بينهما في ليبيا، ولا واقع الفشل والممارسة القهريه التي تمارسها بعثة الوصاية الأجنبية على البلاد وشعبها ابتداء من انطلاق عمليات إسقاط الدولة بالعام 2011، ومرورا بكارثة الصخيرات وانتهاء بمصيبة برلين وجنيف وحتى ساعتنا هذه، ولا الموت السريري لمجلس الأمن الدولي الذي أضحى أثرا من الماضي، ولا ظروف الرجمة الراهنة ورضاها عن حكومتها المناطقية، ولا واقع ارتباط حكومة الدبيبة بواشنطن وأنقرة، لا شيء من كل هذا وأكثر يقول بأنه يمكن لحكومة جديدة مناطقية أو جامعة أن ترى النور بوقت قريب.
إن هذا هو واقع البلاد.. وهذه هي الظروف التي يَعِدُ فيها عقيلة ببعث حكومة جديدة، لا يبغي منها بواقع الحال أكثر من إفلات عنقه من مقصلة الرجمة، والبقاء (مفحج) على رأس البرلمان، لم يعد يقترن اسمه بشيء سوى بالرغبة بالتقيؤ.
The post لا بديل لرهان (واشنطن الأصل) و(أنقرة الفرع) على الدبيبة! appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.