Site icon bnlibya

لمن الحسم في النيجر.. التقاليد الأفريقية أم طموحات الفيلسوف؟

محمد بوعزوم أو (بازوم) كما تنطق في النيجر، ولد في الأول من يناير 1960، وهو نفس العام الذي نالت فيه النيجر استقلالها من فرنسا، بعد أن تحصل المُجتهد بوعزوم على الشهادة الثانوية، شد الرِحال إلى جامعة داكار، التي كانت أكبر جامعة في غرب أفريقيا في ذلك الوقت، درس الفلسفة الأخلاقية والسياسية، معتقداً بوجود ارتباط ما بين الأخلاق والسياسة في دوائر الحكم في دول العالم الثالث الأفريقية، ومن ثم لقبه بوعزوم (بالفيلسوف) هو أول رئيس للنيجر من أصل عربي، من بيت الميايسة قبيلة أولاد سليمان في ليبيا، التي لها باع طويل في السياسة والحكم، يجيد بوعزوم العربية والهوسا والفرنسية والإنجليزية بطلاقة.

اُنتخب محمد بوعزوم في فبراير 2021 في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وتفوق بعد حُصولة على 55% من أصوات الناخبين في مُواجهة الرئيس السابق ماهامان عُثمان، وهو أول رئيس منتخب في النبجر في عام 1993، أُطيح به في انقلاب عسكري عام 1996.

عملية انتفال السلطة بين الرئيس السابق محمد يُوسفو وبوعزوم كانت الأولى بين رئيسين منتخبين بطريقة ديمقراطية في بلد أصبحت الانقلابات العسكرية تُشكل جزء من تقاليده وأعرافه السياسية.

قبل يومين من تنصيب بوعزوم أحبطت الحكومة مُحاولة انقلابية، وكان فوز الفيلسوف بوعزوم محل نزاع لأسباب كثيرة منها، رفض عدد من قادة الحزب الحاكم صعود بوعزوم للرئاسة، كذلك وجود اتهامات من المعارضة حول تزوير الحزب الحاكم للانتخابات، مع ضعف تصويت سكان العاصمة للرئيس بوعزوم، والتي خسرها في الانتخابات الرئاسية، أي ضعف الحاضنة الاجتماعية للرئيس في نيامي، وفي المقابل منافس ينتمي لقبيلة الهوسا التي تمثل أكثر من 50% من سكان النيجر.

منذ توليهِ السلطة واجه بوعزوم تحديات كثيرة، منها الهجمات الإرهابية التي تنفذها جماعات تابعة لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” غربا على الحدود بين النيجير ومالي ووبوركينا فاسو، وجماعة “بوكو حرام” النيجيرية شرقا، وتعهد بمواصلة سياسات يُوسفو والتركيز على الأمن والتصدي للجماعات المتطرفة.

وبما أن أسهل وسيلة للوصول للسلطة في النبجر هي حمل السلاح والتوجة إلى القصر الرئاسي، والإعلان عن سقوط نظام قديم وبداية نظام جديد، فإن المخاوف من عودة شبح الانقلابات العسكرية أمر لم يكن مستبعد، في بلاد صاحبه تاريخ طويل في الانقلابات العسكرية.

وبعد أكثر من سنتين من توليه السلطة هبت رياح التقاليد الأفريقية وأوقفت مسيرة الفيلسوف المنتخب بوعزوم، محاولة انقلاب قادها رئيس الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشياني، وهو أحد رجالات الرئيس السابق محمد يُوسفو، حيث أشارت التقارير إلى زيادة الخلاف في الأشهر الأخيرة ما بين بوعزوم وقائد الحرس الرئاسي.

تأخر ردة فعل الجيش حول ما حصل، طرحت العديد من التساؤلات، هل يدعم الجيش الرئيس المحاصر في القصر تحت الإقامة الجبرية، إما أن هناك تفاهمات مُسبقة مع قائد الحرس الرئاسي لتنفيذ الانقلاب، وإما أن قيادة الجيش دخلت في تفاهمات لاحقة مع قادة الحرس الرئاسي، وهذا الأمر الذي جعل البيان الأول للانقلاب يتأخر لقرابة 20 ساعة، ولم يتم الإعلان عن قائد الانقلاب رئيس المجلس الانتقالي (الانقلابي) إلى اليوم الثاني، بعد أن حصلت توافقات بين قيادة الحرس الرئاسي والجيش.

بعد ساعات من الصمت والترقب وتقدير الموقف مما يحصل في القصر الرئاسي في العاصمة نيامي، توالت ردات الفعل الرافضة والمُنددة بالانقلاب، والمطالبة بإعادة كافة السلطات التشريعية للرئيس بوعزوم، بيانات رافضة من الجزائر وليبيا وتونس، كما أكدت الخارجية المصرية في بيانها على حرصها على استقرار وسلامة دولة النيجر، وبيان حاد جداً من الاتحاد الإفريقي يُمهل الانقلابيين 15يوماً لإعادة الشرعية، ويُطالبهم بالعودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم العسكرية، وبالمقابل الاتحاد الأوروبي يعلن وقف كافة أشكال التعاون مع النيجر بشكل فوري.

من جهة أخرى واشنطن تُبلغ بوعزوم “بأنه بإمكانه الاعتماد عليهم لإعادة الشرعية والنظام الدستوري” والخارجية الفرنسية ” ترى أن الانقلاب في النيجر ليس نهائي بعد، آملة في أن يستجيب الانقلابيون الذين احتجزوا رئيس البلاد إلى الدعوات الدولية للعودة إلى الحكم الديمقراطي” وتصف ما حدث بمحاولة انقلابية، ولا نعتبر الأمور نهائية، ولا يزال هناك مخرج إذا استمع المسؤولون (عن تلك المحاولة) إلى المجتمع الدولي”.

يُعول الرئيس بوعزوم على الضغط الخارجي، الإقليمي والدولي من أجل استعادة الشرعية الدستورية، ولا يُراهن كثيراً على الشارع في نيامي، التي خسرها في الانتخابات الرئاسية.

السيناريوهات المحتلمة، احتمالية استجابة قادة الانقلاب للعقوبات الإقليمية والدولية ضعيف جداً، السيناريو الأقرب للواقع بروز قوة أخرى من الجيش بغطاء إفريقي ودعم دولي، بحيث تتمكن من تفكيك أركان الانقلاب، وتُعيد الشرعية للرئيس بوعزوم، والسيناريو الأخير تفاوض قادة الانقلاب مع فرنسا والولايات المتحدة، والوصول لتسوية تضمن مصالح هذه الدول مقابل استمرار قادة الانقلاب في السلطة.

وأخيراً هل يستسلم الرئيس بوعزوم للتاريخ ويرضخ لطقوس وعادات الجيوش الإفريقية، أما أن الفيلسوف سيكون حالة استثنائية للنظام السياسي في الدول الإفريقية، وتنتصر الديمقراطية والشرعية على الانقلابات العسكرية.

The post لمن الحسم في النيجر.. التقاليد الأفريقية أم طموحات الفيلسوف؟ appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.