ليبيا.. حوارات بلا نهاية: حين تتحول الأمم المتحدة من وسيط إلى جزء من الأزمة

0
14

بعد أكثر من أربعة عشر عامًا على اندلاع الأزمة الليبية، لم يعد المشهد السياسي بحاجة إلى مزيد من التشخيص، بقدر ما يحتاج إلى قدر من الصراحة، فكل ما جُرّب من مسارات تحت رعاية الأمم المتحدة، من انتخابات وحوارات واتفاقات، لم ينجح في إنهاء الأزمة، بل أسهم في إدارتها وإطالة عمرها.

من انتخابات 7 يوليو 2012، إلى انتخابات مجلس النواب، مرورًا باتفاق الصخيرات الذي أفرز حكومة الوفاق، ثم اتفاق جنيف الذي لا تزال البلاد تدفع ثمنه حتى اليوم، وصولًا إلى انتخابات 24 ديسمبر 2021 التي تم القفز عليها دون أي مسوغ قانوني أو سياسي واضح، يتكرر المشهد ذاته: مسار يُطرح على أنه الحل، ثم يتحول إلى أزمة جديدة.

عشرة مبعوثين أمميين تعاقبوا على الملف الليبي، لكن الثابت الوحيد في تجربتهم هو العجز عن الانتقال من إدارة الصراع إلى حله. فكل مبعوث يأتي بخارطة طريق جديدة، بينما تبقى الأدوات ذاتها، والنتائج متطابقة. ومع تعيين الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، عاد الخطاب الأممي إلى النقطة الصفر، عبر تشكيل لجنة استشارية، أُعلن منذ البداية أن مخرجاتها غير ملزمة، وقدمت ثلاثة خيارات، من بينها تشكيل حكومة خلال شهرين، تمهد للحل النهائي (في غضون عام ونصف)، لكن هذا يعتمد بشكل كبير على التوافق الليبي وخطوات جادة نحو إقرار الدستور لإرساء الاستقرار. 

وأخيرا دخلنا في اقتراح جديد هو بـ«الحوار المهيكل» من 4 إلى ستة اشهر .

وهنا يبرز السؤال الذي يتهرب الجميع من الإجابة عنه:

ما المقصود بالحوار المهيكل؟

فالأزمة الليبية لم تعد معقدة في توصيفها، ولا غامضة في أطرافها، ولا مبهمة في أسبابها. الانقسام معروف، والفرقاء واضحون، والخلل محدد، لكن ما يغيب هو الإرادة السياسية، لا الآليات ولا المقترحات.

في هذا السياق، تصبح الإرادة الدولية موضع تساؤل حقيقي. فخلال الإحاطات الأممية، تُستدعى المواقف الأمريكية والبريطانية والفرنسية بوصفها عوامل دعم، لكن الواقع يشير إلى غياب أي ضغط دولي جاد لفرض حل حقيقي. والسؤال هنا: هل تملك هذه الدول اليوم الرغبة والظروف التي تسمح لها بإنتاج مشهد ليبي مستقر؟ أم أن الملف الليبي بات ملفًا مؤجلاً في أجندة دولية مثقلة بالأزمات؟

وإذا كانت الإرادة الدولية ضعيفة أو غائبة، فإن المسؤولية لا تقع عليها وحدها. فالسؤال الداخلي لا يقل إلحاحًا: هل الليبيون أنفسهم مستعدون لإنهاء أزمتهم؟

أين ضغط الشارع؟

وأين دور الأحزاب، والنخب، والمثقفين، ومنظمات المجتمع المدني في فرض مسار وطني مستقل؟

أم أن الجميع لا يزال ينتظر ما ستقرره الأمم المتحدة، وكأن الحل لا يمكن أن يكون ليبيًا خالصًا؟

ورغم وضوح الإشكال، لا يزال التركيز الأممي منصبًا على المسار السياسي وحده، مع تجاهل العامل الأكثر خطورة في المشهد الليبي: السلاح.

فالسلاح المنتشر خارج إطار الدولة، والذي لم يتم جمعه أو تفكيكه، هو العقبة الحقيقية أمام أي حوار جاد. وفي ظل وجود هذا السلاح، يتحول الحوار إلى عملية شكلية تُدار تحت التهديد، لا إلى مسار سياسي حر.

إن تجاهل ملف السلاح، خاصة في المنطقة الغربية، لا يمكن تفسيره إلا كجزء من سياسة إدارة الأزمة لا حلها. فحين يُجمع السلاح، يصبح الخلاف السياسي قابلًا للنقاش، وتتحول العملية السياسية إلى صراع أفكار وبرامج، لا صراع قوة ونفوذ.

وفي الخلاصة، لم يعد السؤال: ما الحل؟

بل أصبح: لماذا لا يُنفذ الحل المعروف؟

وهل يُعقل أن تبقى الأزمة الليبية رهينة الحوارات المفتوحة، والإحاطات المتكررة، دون سقف زمني أو نتائج ملموسة؟

أسئلة باتت تفرض نفسها بقوة، في ظل مسار أممي يبدو عاجزًا عن مغادرة دائرة التدوير السياسي، والانتقال إلى حل حقيقي يعيد للدولة الليبية معناها المفقود.

The post ليبيا.. حوارات بلا نهاية: حين تتحول الأمم المتحدة من وسيط إلى جزء من الأزمة appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.