هل تتجه ليبيا للوصاية الأمريكية بنكهة ترامبية؟!

0
9

في فترة حكم ترامب الثانية عملت الولايات المتحدة على توسيع حضورها في ليبيا، عبر قنوات أمنية وسياسية واقتصادية، ويرى محلّلون دوليون أن الدور الأمريكي يمكن أن يكون إيجابياً إذا ترافَق مع إصلاحات اقتصادية وهيكلية ليبية، خصوصاً في مجال الحوكمة والنفط، لكن الفساد المالي وتهريب الوقود يعرقلان أي تقدم، وتحاول أمريكا التركيز على عامل الاستقرار من خلال تواصلها مع الأطراف العسكرية في الشرق والغرب أملا في توحيد المؤسسة العسكرية، لكن الانقسام السياسي بين الشرق والغرب ما زال يعيق تحقيق نتائج ملموسة.

إن الإدارة الترامبية التي تتجنب عادة التدخل الخشن وتلتجئ إلى التدخل الناعم، مدفوعة بسياسة رجل الأعمال الذي لا يهمه سوى الربح من خلال صفقات استثمارية، أدركت أنه يمكنها الغوص في المستنقع الليبي بطريقة هادئة، دون أن تثير حفيظة أي طرف آخر وبما يحقق لها عائدا استثماريا ماليا، من خلال نافذة المصرف المركزي عبر وزارة الخزانة الأمريكية، التي استغلت وجود قرارات من مجلس الأمن تتعلق بفرض الرقابة على المالية الليبية تحت بند محاربة الإرهاب.

ولهذا يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت أن تهيمن فعليا على المالية الليبية “عوائد النفط الليبي”، فهي تعرف أن المحرك الأساسي لكل التيارات السياسية والعسكرية في ليبيا اليوم هو المال، وبالتالي ستتمكن الإدارة الأمريكية وبطريقة ناعمة من التحكم في المشهد الليبي كاملا، أمنيا وجيوسياسيا واقتصاديا، وإن كان تدخل الخزانة الأمريكية تحت “دور فني” ظاهريا، فهو في الواقع أعمق بكثير، حيث تتحكم في العقوبات المالية وتراقب حركة الأموال، وتمارس تأثيرها المباشر على المصرف المركزي، وكل عمليات التحويلات المالية بالعملة الصعبة، وتحاول عبر ذراعها صندوق النقد الدولي، توجيه السياسة المالية الليبية عبر برامج مشتركة بينه وبين المصرف المركزي.

استطيع القول إن المصرف المركزي الليبي تحرص أمريكا اليوم على عدم انقسامه، أكثر من أي أحد خدمة لاستراتيجيتها، وإن كان هذا يمثل عملا مستحسنا لنا نحن الليبيين، ومبعدا لشبح الانقسام ولو مؤقتا، ومساعدا في إيقاف معدل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه ليبيا الآن، وحجم التضخم وتدني سعر الدينار، إلا أن ذلك قد يحمل في طياته بوادر هيمنة أمريكية كاملة على الاقتصاد الليبي ليكون مرهونا باقتصاد رأسمالي عنيف من شأنه أن يخلق شرخا على المدى البعيد في البنيوية الاقتصادية الضعيفة للمجتمع الليبي.

إن آخر ملامح التدخل الأمريكي الناعم جاء من بوابة “البرنامج التنموي الموحّد” الذي تم توقيعه مؤخرا بين ممثلين عن كل من مجلس النواب ومجلس الدولة برعاية أمريكية، هذا البرنامج جاء في وقته بالنظر إلى الصرف غير المنضبط، الذي تشهده ليبيا وخاصة فيما يتعلق بباب المشروعات والتنمية، الذي فتح في السنوات الأخيرة دون أي رقابة، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول مقدار الأموال المصروفة ومدى مطابقة عقود المشروعات للمواصفات المعتمدة محليا ودوليا.

ما يؤسف حقا هو تهافت الكثير من القيادات الليبية الحالية على أمريكا استجداء لدعمها، في معركة الوصول للسلطة سواء عبر انتخابات أو حتى بالتزكية، معللين ذلك التهافت بأن حل المشكل الليبي بيد أمريكا!، لأنها قادرة على فرض سياستها رغم كل التحديات، يحاول هؤلاء تجاهل الأدوار الكبيرة والخطيرة التي تقوم بها بعض الأطراف الأخرى صاحبة النفوذ في ليبيا، مثل تركيا وروسيا وفرنسا ومصر والسعودية وقطر والإمارات، ويتجاهلون في وقاحة إرادة الشعب الليبي المغيبة وما يشكله ذلك من أثر فعلي على الأرض.

مختصر القول، إن الوصاية المالية الأمريكية على ليبيا صارت الشر الذي لا بد منه، في خضم الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ عقد ونصف، وهي التي ستشكل رقيبا ماليا على مصروفات المصرف المركزي، وإلزاما غير مباشر للالتزام بالشفافية والحوكمة، ما يحول دون استمرار الصرف غير المحدد والمنفلت، غير أن ما نخشاه أن يتم ضخ مبالغ كبيرة من المال، في مشاريع تنموية تستنزف العملة الصعبة، وتؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي الهش للمجتمع الليبي، بما يؤدي إلى زيادة مستوى التضخم الذي يعانيه الاقتصاد الليبي اليوم ويُرهق كاهل المواطنين.

The post هل تتجه ليبيا للوصاية الأمريكية بنكهة ترامبية؟! appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.