آليات تأثير الحروب على اقتصادات الدول المتصارعة «دولة الاحتلال نموذجاً»

0
382

المقدمة

شهدت المنطقة تحولات جذرية بعد تمكين الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني عام 1948 على أرض فلسطين التاريخية، حيث قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وفرضت سيطرتها العسكرية على الأراضي الفلسطينية. وقد أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى نشوب العديد من الحروب وأعمال المقاومة، أبرزها حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973، إلى جانب الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2000 ورغم تفوق دولة الاحتلال عسكريا، إلا أن هذه الصراعات كان لها أثر اقتصادي سلبي كبير عليها، حيث تسببت في تباطؤ معدلات النمو وتراجع الصادرات وهروب رؤوس الأموال، إلى جانب تضخم الإنفاق الحربي. وقد أجبرت دولة الإحتلال على خفض الإنفاق على التعليم والصحة لتغطية نفقات الأمن والدفاع المتصاعدة. وهكذا أثبتت التجربة الصهيونية الاسرائلية أن تكلفة الاحتلال والحروب تفوق بكثير أي مكاسب محتملة.

وشهد الاقتصاد الإسرائيلي نمواً ملحوظاً خلال السبعين عاماً الماضية منذ قيام دولة الاحتلال  عام 1948، ليصبح واحداً من أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط ويرجع ذلك إلى تبني إسرائيل سياسات اقتصادية رأسمالية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ما ساهم في تدفق رؤوس الأموال وتمويل المشاريع التنموية و الاستفادة من الدعم المالي الأمريكي الضخم على مدار عقود، إذ حصلت إسرائيل على أكثر من 140 مليار دولار منذ تأسيسها أيضا تطوير الزراعة الإسرائيلية واعتماد أساليب الري الحديثة لتوفير الاكتفاء الذاتي الغذائي والتركيز على الابتكار والتكنولوجيا من خلال إنشاء العديد من حاضنات الأعمال التكنولوجية و امتلاك إسرائيل لرأس مال بشري متعلم ومؤهل، حيث تحتل المرتبة الـ10 عالمياً في نسبة الحاصلين على التعليم العالي و تطوير صناعات عسكرية متطورة ساهمت في تعزيز الصادرات الإسرائيلية و بناءً على البيانات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يعد الاقتصاد الإسرائيلي ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية، بناتج محلي إجمالي يزيد عن 350 مليار دولار في عام 2019 فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي  الإجمالي يقدر بحوالي 43,000 دولار، وهو من بين الأعلى في الشرق الأوسط ومع ذلك، فإن التحديات ما زالت قائمة. تشمل هذه التحديات الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وفضلاً عن الأمن والتحديات الجيوسياسية.

«إن تأثير الحروب على الاقتصاديات يمكن أن يكون عميقاً ومتعدد الأوجه، فالحروب تخلق موجات من العواقب الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي تتجاوز بكثير الأضرار الفعلية الناجمة عن الصراع»

و في هذا المقال، سنستعرض الآثار الاقتصادية لآليات الصراع العربي الإسرائيلي وسياسة الاحتلال على اقتصاد الكيان المحتل، مدعمين بالأرقام والإحصاءات والنظريات المفسرة.

لمحة تاريخية عن الصراعات السابقة لدولة الاحتلال وأثرها على اقتصادها

بعد خروج بريطانيا من الأراضي الفلسطينية في شهر مايو عام 1948 وإعلان انتهاء الاحتلال وتمكين الكثير من اليهود بالأراضي الفلسطينية من كل حدب وصوب، قام المجلس اليهودي بقيادة “ديفد بن جوريون” إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، ومرت إسرائيل بأزمة اقتصادية حادة في أوائل خمسينيات القرن الماضي وقد نتجت هذه الأزمة عن عدة عوامل أهمها:

النفقات العسكرية الضخمة التي تكبدتها إسرائيل إثر حرب 1948 مع الدول العربية. فقد بلغت النفقات العسكرية 50% من الناتج المحلي الإجمالي في أوائل الخمسينات.

تدفق مئات الآلاف من المهاجرين اليهود إلى إسرائيل مما زاد العبء على الاقتصاد والخدمات.

حظر الدول العربية التجارة مع إسرائيل مما أثر سلباً على صادراته.

واتخذت دولة الكيان إجراءات قاسية لمواجهة الأزمة، ويمكن تلخيص الخطوات الرئيسية التي اتخذتها إسرائيل لمواجهة هذه الأزمة فيما يلي:

تقليص الإنفاق العام وخفض الدعم على السلع. مما أدى لانخفاض مستوى المعيشة.

تجميد الهجرة اليهودية لمدة عام في 1954 للحد من أعداد المهاجرين.

تعزيز الصناعة وتشجيع الاستثمار الأجنبي لزيادة النمو الاقتصادي.

ويمكن تلخيص الأسباب الرئيسية لتخطي إسرائيل هذه الأزمة فيما يلي:

تعويضات ألمانيا: حصلت دولة الكيان على تعويضات مالية ضخمة من ألمانيا في إطار اتفاقية التعويضات عن المحرقة عام 1952 وساهمت في دعم اقتصادها.

المساعدات الأمريكية: تلقت إسرائيل مساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية ضخمة منذ الخمسينيات ساهمت في إنقاذ اقتصادها.

مصادرة أملاك الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم بعد حرب 1948

تطوير الصناعة والتكنولوجيا: نجحت إسرائيل في تطوير قطاعات صناعية وتكنولوجية قوية ساهمت في تعزيز اقتصادها.

النظريات المفسرة للحرب بين فلسطين ودولة الاحتلال

أولا الاقتصادية

نظرية الاستعمار الاستيطاني: وترى أن إسرائيل تسعى للسيطرة على الأراضي والموارد الفلسطينية لصالح مشروعها الاستيطاني

نظرية التبعية الاقتصادية: وتفسر الصراع بالتبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني

ثانيا