أزمة تجارية «غير مسبوقة» بين البرازيل وأمريكا.. رسوم جمركية تصل إلى 50%

0
39

تواجه البرازيل، واحدة من أهم القوى الاقتصادية في أميركا اللاتينية، توترات تجارية غير مسبوقة مع الولايات المتحدة، بعد أن فرضت واشنطن رسوماً جمركية مرتفعة على مجموعة واسعة من الصادرات البرازيلية، ما أثار خلافات حادة بين الحكومتين وأثار قلقاً في أوساط الأعمال والمجتمع الدولي.

وتعد هذه الأزمة منعطفاً حاسماً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تتداخل الضغوط الاقتصادية مع التوترات السياسية الداخلية في البرازيل، ما يضع الحكومة أمام خيارات صعبة بين حماية سيادتها الاقتصادية وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة.

وفرضت واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 50% على معظم الصادرات البرازيلية، بعد أن اتهم الرئيس دونالد ترامب البرازيل بشن “حملة شعواء” ضد حليفه الرئيس السابق جايير بولسونارو، وطالب بوقف محاكمته أمام المحكمة العليا.

وأكد وزير المالية البرازيلي، فرناندو حداد، أن بلاده وصلت إلى طريق مسدود مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، مشيراً إلى أن الحل يعتمد على رغبة واشنطن في التوصل إلى تسوية، بحسب تصريحات نقلتها فايننشال تايمز.

وقال حداد: “تحاول الولايات المتحدة فرض حل على البرازيل، وهو حل مستحيل دستورياً، إذ إن المحكمة العليا مستقلة عن الحكومة”.

وأضاف الوزير أن الاجتماع الافتراضي المخطط مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لمناقشة الرسوم تم إلغاؤه من قبل واشنطن، ثم ظهر بيسنت لاحقاً في صورة مع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق، الذي يضغط في واشنطن منذ أشهر لفرض عقوبات على القضاة المشرفين على محاكمة والده.

ولمواجهة هذه التحديات، يعمل وزير المالية البرازيلي على تنويع الشراكات التجارية للبرازيل، مستغلاً القرب من توقيع اتفاق تاريخي بين الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور الذي يضم الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي وبوليفيا، والذي سيخلق سوقاً تضم نحو 700 مليون شخص.

ويشير أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية، الدكتور حمدي أعمر حداد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن القرار الأميركي بفرض الرسوم على السلع البرازيلية، بدءاً من اللحوم والقهوة والمنتجات الزراعية مروراً بالنسيج والأحذية ووصولاً إلى بعض الصناعات الخفيفة، أحدث صدمة في قطاعات الزراعة والصناعة، رغم أن السوق الأميركية لا تستحوذ إلا على 12% من الصادرات البرازيلية مقابل أكثر من 40% للصين، ما منح الاقتصاد البرازيلي قدرة نسبية على امتصاص الصدمة.

كما انعكست الأزمة على الأسواق العالمية، خصوصاً أسعار القهوة التي شهدت ارتفاعاً في الولايات المتحدة وأوروبا، ما أتاح لدول منافسة مثل كولومبيا وفيتنام فرصة توسيع حصتها السوقية. ويؤكد أحداد أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وجد نفسه أمام امتحان عسير بين مواجهة سياسات ترامب وحماية الاقتصاد المحلي، فاتجه إلى عدة خيارات استراتيجيات:

دعم داخلي مباشر عبر خطة “البرازيل السيادية” التي تضمنت نحو 30 مليار ريال برازيلي (حوالي 5.5 مليار دولار) على شكل قروض ميسرة وإعفاءات ضريبية لمساعدة المصدرين.

اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية برفع شكوى رسمية ضد الإجراءات الأميركية لاعتبارها خرقاً للقواعد التجارية الدولية.

تفعيل قانون “التبادل التجاري المتبادل” الذي يتيح فرض تدابير انتقامية على الشركات والمنتجات الأميركية، بما في ذلك فرض ضرائب محتملة على شركات التكنولوجيا الكبرى.

تعزيز تنويع الشراكات التجارية عبر مجموعة “بريكس”، واتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا وآسيا لتقليل الاعتماد على السوق الأميركية.

وتشير الصحيفة البريطانية فايننشال تايمز إلى أن الأزمة عززت شعبية الرئيس لولا محلياً، إذ عرض نفسه كمدافع عن السيادة الاقتصادية للبرازيل أمام “الابتزاز الأميركي”، بينما أظهر استطلاع نشرته فولها دي ساو باولو أن 35% من المشاركين يلقون باللوم على لولا في النزاع، مقابل 22% على جايير بولسونارو، و17% على ابنه إدواردو، و15% فقط على القاضي ألكسندر دي مورايس.

ويواجه الاقتصاد البرازيلي تحديات متزامنة، إذ يصعب كبح جماح التضخم الذي تجاوز المستوى المستهدف بعد زيادة الرسوم الأميركية على الصادرات، وفق تقرير بلومبرغ، بينما أعلن البنك المركزي البرازيلي في اجتماع يومي 29 و30 يوليو المحافظة على موقف حذر بشأن السياسة النقدية، مع خفض توقعاته لمعدل التضخم بنهاية 2025 من 5.05% إلى 4.95% لأول مرة منذ يناير إلى أقل من 5%.

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية الدكتور محمد عطيف لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الرسوم الأميركية تستهدف قطاعات حيوية مثل الصلب والمنتجات الزراعية، ما يضعف القدرة التنافسية للبرازيل ويقلص تدفقات العملة الصعبة نحو الاقتصاد المحلي، مضيفاً أن التحدي يتجاوز بعده التجاري ليعكس أزمة ثقة أوسع في النظام الاقتصادي العالمي.

وأوضح أن البرازيل أمام خيارات متعددة: توثيق التعاون مع الصين ودول البريكس، تعزيز الانفتاح على الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية، وتفعيل المساطر القانونية عبر منظمة التجارة العالمية، سعياً لإعادة التوازن في موقعها التفاوضي.

ويخلص التقرير إلى أن مستقبل الاقتصاد البرازيلي يعتمد على قدرة القيادة الحالية على تحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء استراتيجيات التنمية والانفتاح، وتنويع الشراكات التجارية لضمان استقلالية القرار الاقتصادي وتعزيز موقع البرازيل في المشهد الدولي الجديد.

The post أزمة تجارية «غير مسبوقة» بين البرازيل وأمريكا.. رسوم جمركية تصل إلى 50% appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.