عندما تمكنت ستيفاني ويليامز مع مطلع العام 2021م من خلال رعايتها لفريق الـ75 من الوصول بليبيا الى تشكيل حكومة إنتقالية جديدة سمّيت “حكومة الوحدة الوطنية” واعتمدت خريطة طريق واضحة المعالم وكان ابرزها تحديد يوم 24 ديسمبر 2021م موعدا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في ذلك الوقت ظن الكثير أن الأمور قد سوّت وأن الدول الفاعلة في المشهد الليبي قد اتفقت تماما وقررت مجتمعة تنفيذ بنود تلك الخارطة وفي مواعيدها وأن القضية الليبية في طريقها للحل.
لكن بعد ذلك بشهور تبيّن أن ذلك الإتفاق لم يكن مكتملا، فبعض الدول ليست راضية تماما، الأمر الذي نتج عنه مواقف اخرى لبها فيما بعد ، ولقد تجلّى ذلك بوضوح مع اقتراب موعد الإنتخابات عندما لاحظنا مقدار ذلك الإختلاف والذي انعكس على اسماء ممن تقدموا للترشح لمنصب الرئيس، فأدركنا عندئذ أن الدول الفاعلة تتلاعب بالمشهد الليبي وفقا لرؤيتها الخاصة واهدافها، وأنه بات واضحا مقدار الإختلاف بينها حول من يحكم ليبيا في هذه الفترة الحرجة، والتي هي يفترض ان تكون مؤقتة ايضا تمهيدا لمرحلة بعدها تكون اكثر استقرارا ونضوجا.
يبدو أن الأمر الذي كان متفقا عليه في جنيف هو أن يتقدم للرئاسة كل من حفتر عن الشرق وباشاغا عن الغرب، وكان متوقعا أن يجتازا هذان المرشحان المرحلة الأولى لينتقلا الى المرحلة الثانية دون غيرهما، وأن هناك صفقة كانت تحت الطاولة بين هذين المرشحين برعاية دولية، بحيث أن يكون الفائز بالرئاسة انتخابيا يقابله المرشح الآخر كرئيس للحكومة، وبصراحة لقد كان ذلك الخيار واقعيا الى درجة كبيرة بالنظر الى قوة تأثير كلي المرشحين على الأرض ، فحفتر يمتلك القوة في الشرق وحده ولا احد ينافسه، وباشاغا يمتلك القوة الأكبر في الغرب متمثلة في كتائب مصراتة المسلحة، بالرغم من وجود منافسين له في طرابلس والزاوية والزنتان من ناحية المجموعات المسلحة الأقل تأثيرا.
روسيا بعد أن فقدت دورها في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، يبدو انها تمكنت من العودة عبر حلفائها القدماء، من ممثلي النظام السابق، فهم الذين مكّنوها من الدخول عبر بوابة الشرق، بعد أن استغلّوا حاجة حفتر للمساعدة، وأقنعوه بذلك أثناء خوضه حربا ضروسا في بنغازي ودرنة ضد المتطرفين الإسلاميين، وكان تلك فرصة نادرة طالما بحثت عنها روسيا التي وجدت فيها ضالتها للتواجد في المشهد الليبي، وفرض الأمر الواقع بعد ان حرمت من ذلك في السابق، وعندما حدثت الفجوة بين حفتر وروسيا عقب حرب طرابلس لم تتردد روسيا أن تعلن لحفتر عن ورقتها الكبرى المتمثلة في سيف الإسلام القذافي.
لقد فاجأت روسيا العالم بالدفع بسيف الإسلام كمرشح رئاسي، الأمر الذي اربك المشهد وقلب الموازين، وعندئذ بدأت مناورات دولية متعددة تستهدف ابعاد سيف الإسلام، كونه المرشح الأوفر حظا من ناحية عدد اصوات الناخبين، والذي سيؤثر بالتالي في تنفيذ الخارطة التي كانت معدة، ثم زاد من تعقيد الموقف ترشح “ادبية” والذي كان مستبعدا الى آخر لحظة بحكم تعهده امام البعثة بعدم الترشح وفي ذلك اشارات استفهام كبيرة! ولهذا وجدت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا نفسها في وضع حرج ما دعى مبعوثها الخاص كوبيتش الى تقديم استقالته.
وعندما تعقد المشهد واختلف الكبار في الإتفاق على مبعوث جديد لليبيا، حاولت امريكا التدخل ولم تجد افضل من إعادة تكليف ستيفاني مستشارا خاصا للأمين العام لدى ليبيا، لعلها تستطيع حلحلة الملف الليبي وايجاد حل لمختنق ازمة الإنتخابات، فهل ستنجح ستيفاني فيما فشل فيه كوبيتش؟! أم أن الأزمة الليبية صارت مهددة بالإنفجار اكثر مما هو متوقع، بعدما صارت رهينة لعبة دولية يلعبها الكبار فوق الأرض الليبية المهددة بمزيد التشظي والإنقسام؟!.
واقعيا ومن خلال معايشة لصيقة بالمشهد الليبي لا يمكن أن تحصل حالة استقرار وأمن في ليبيا الا بإدماج وتحالف أكبر قوتين على الأرض في ليبيا الآن ( قوة حفتر في الشرق وقوة مصراتة في الغرب) وهذا يعني أن أي جهود لا تصب في هذا الإتجاه هي غير جادة فعلا في خلق حالة من التوازن والإستقرار في ليبيا، وغير معنية بتوفر بيئة مناسبة لترسيخ سلطة الدولة الموحدة، وإعادة هيبتها أمنيا وعسكريا، إن هذا الخيار محل تقدير واحترام من كل من يسعى فعلا لقيام الدولة بالمفهوم الحقيقي، ويرفض حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ 2011م.
The post الانتخابات الليبية.. تلاعب دولي وروسيا تُربك المشهد! appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.