تونس.. مخاوف من تقويض منظومة العدالة

0
428

أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عن قلقه إزاء الإجراءات التحفظية التي اتخذتها السلطة التنفيذية التونسية بحق عددٍ من القضاة، بزعم الاشتباه بارتكابهم قضايا فساد مالي وإداري وتجاوز للسلطة.

وقال المرصد الأورومتوسطي ومقرّه جنيف في بيان صحفين اليوم الأربعاء، تحصلت “عين ليبيا” على نسخة مةنه، إنّ عددًا من القضاة التونسيين مُنعوا من السفر، ووضع آخرون قيد الإقامة الجبرية تطبيقًا للإجراء الحدودي “S17″، دون الاستناد إلى قراراتٍ قضائية تسمح بتطبيق هذا الإجراء بحق المشتبه بهم.

وبيّن الأورومتوسطي أنّ وزير الداخلية المكلف رضا غرسلاوي، أصدر قرارًا يوم 5 أغسطس الماضي يقضي بوضع كلٍ من وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية في العاصمة البشير العكرمي، والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الطيب راشد، تحت الإقامة الجبرية، على خلفية اتهامات بالفساد و”تواطؤ مع الإرهاب”، بالإضافة إلى إصداره قرارات تقضي بمنع عدد من القضاة من السفر إلى الخارج، من بينهم القاضية إيمان العبيدي مستشارة في الدائرة الجنائية في المحكمة الابتدائية بقرمبالية، والتي مُنعت من السفر أثناء توجهها إلى تركيا.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ العكرمي وُجهت له تهم التواطؤ مع الإرهاب والتستر على آلاف الملفات المتعلقة بالإرهاب من بينها أحداث سوسة وباردو، واغتيال النائبين محمد البراهمي وشكري بالعيد، في حين اتُهم راشد بالفساد بزعم امتلاكه ثروة طائلة بطرق غير مشروعة، أما العبيدي فهي متهمة بإخلاء سبيل عدد من المشتبه بهم في قضية تفجير حافلة الأمن الرئاسي.

وفي إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال “م.ن”، وهو شاهد عيان على حادثة منع القاضية إيمان العبيدي من السفر: “بتاريخ 6 أغسطس الماضي توجهت القاضية العبيدي إلى مطار تونس قرطاج من أجل السفر إلى تركيا، وأثناء قيامها بإجراءات السفر طلبت شرطة الحدود منها الانتظار حتى وصول نتيجة الاستشارة الحدودية “S17″.. وبعد حوالي ساعة أبلغت شرطة الحدود القاضية العبيدي بأنها ممنوعة من السفر خارج البلاد لصدور إجراء حدودي بحقها”.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ قرارات وزير الداخلية بحق قضاة متمتعين بالحصانة القضائية جاءت دون الحصول على موافقة مسبقة من المجلس الأعلى للقضاء، والذي يقتضي إعلامه مسبقاً بحقيقة ما يُنسب للقضاة من تهم تشكل خطراً على الأمن والنظام العامين وتستوجب اتخاذ هذه الإجراءات بحقهم، خاصةً أنّ المجلس الأعلى للقضاء هو المؤسسة الدستورية الوحيدة المخولة باتخاذ إجراءات تأديبية بحق القضاة، فضلاً عن أنّ تطبيق حالة الطوارئ على القضاة فيه تجاوز لصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الضامن لموجبات استقلالهم.

ونوه المرصد إلى أنّ القانون الرئيسي المنظم لوثائق السفر الصادر في 14 مايو 1975، يسمح لوزير الداخلية أن يمنع الشخص من السفر في حال تحقق شرطين؛ الأول أن يكون هذا الشخص ارتكب أفعالاً تمثل تهديداً للنظام والأمن العامين، على أن يحصل وزير الداخلية على أمر بهذا المنع من رئيس المحكمة الابتدائية بالإضافة إلى تحديد مدة الحظر، والثاني هو ضبط الشخص في حالة تلبس أو أثناء ارتكاب جريمة أو في حالات الطوارئ، غير أنه في الحالة الأخيرة يجوز فقط لمكتب النيابة العامة أن يفرض منعاً من السفر على أحد الأشخاص لمدة تصل إلى 15 يوماً، وهو ما لم يتحقق في في حالة القضاة الصادرة بحقهم الإجراءات.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى بيانٍ أصدره 45 قاضيًا في 9 أغسطس الماضي، ونددوا فيه بما وصفوها قرارات تعسفية وغير قانونية بحق القضاة، واعتبروا أنّ إخضاع القضاة للإجراء الحدودي “S17” يمثل انزلاقاً خطيراً في تعامل السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية، كونه يهدد حقوق القضاة في التنقل والسفر في ظل غياب إجراء قضائي يمنعهم من ذلك.

وبيّن الأورومتوسطي أن الإجراء الحدودي “S17″، هو إجراء يهدف إلى تقييد حرية التنقل والسفر، وينص على أن المسافر لا بد أن يقع الإعلام منه للسلطة التنفيذية أنه ينوي مغادرة البلاد، وهي بدورها تتخذ القرار بالسماح له بالمغادرة أو منعه من ذلك.

ومنذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد العمل بالإجراءات الاستثنائية وتطبيق الفصل 80 من الدستور في 25 يوليو الماضي، تنامت المخاوف من إمكانية تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، خاصةً بعد أن كان من ضمن قرارات سعيّد تجميد عمل السلطة التشريعية في البلاد.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ القرارات والإجراءات المُتخذة من السلطة التنفيذية تخالف بشكلٍ واضح وصريح الفصل (49) من الدستور التونسي لعام 2014، والذي ينص على أن “يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلّا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها.

وتتكفّل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك، ولا يجوز لأيّ تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”، وهو ما تجاوزته السلطة التنفيذية من خلال إصدارها قراراتٍ تقيد الحقوق والحريات التي تتمتع بها سلطة مستقلة (القضاء) دون إعلام المجلس الأعلى المسؤول عن هذه السلطة أو صدور قرارات قضائية تمنح شرعية قانونية للإجراءات المتُخذة.

ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات التونسية إلى وقف الإجراءات التعسفية المتخذة بحق القضاة، والتي تمس الحقوق والحريات والتراجع عنها فورًا، والعمل على وقف تغول السلطة التنفيذية من خلال الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات القاضي باحترام السلطة القضائية وعدم التدخل في سير القضاء.

وحث المرصد السلطات التونسية على تطبيق الإجراءات القانونية المُعتمدة لدى المجلس الأعلى للقضاء على القضاة الذين تلاحقهم شبهات فساد، وعدم اللجوء إلى إجراءات تفتقر للأسس القانونية وتخالف في جوهرها نصوص الدستور والمواثيق الدولية ذات العلاقة.

The post تونس.. مخاوف من تقويض منظومة العدالة appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.