ليبيا.. أزمة الحكومتين

0
209

مما لا شك فيه أن ليبيا مازالت سياسيا مكبلة باتفاقية الصخيرات التي أسس لها الصراع على الشرعيات الذي نتج عن حرب فجر ليبيا عام 2014، بمعنى أن الشرعية الوطنية سلبت تماما واستبدلت بالقرارات الأممية التي ضمنت هذه الاتفاقية في قرارات مجلس الأمن الذي يهيمن على مجريات السياسات الدولية، والتي وصل عددها إلى 35 قرار، بداية بالقرار 1970 لعام 2011 الذي أحال الوضع الليبي إلى محكمة الجنايات الدولية وأقر حظر الأسلحة وتجميد الأصول حتى القرار 2647 الصادر في يوليو 2022 الذي أقر تمديد البعثة الأممية وأشار فيها إلى مخرجات ملتقى الحوار السياسي ويرفض فيها الأفعال التي يمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف ويؤكد على ضرورة العمل على الوصول إلى الانتخابات.

اتفاقية الصخيرات انشأت ثلاث كيانات سياسية محددة وهي المجلس الرئاسي ومجلس الدولة واعاد مهام التشريع للكيان الثالث البرلمان، وللاسف هذه المهام كما حددتها الاتفاقية جعلت مهمة اعتماد الحكومة ومنحها التقة حق اصيل للبرلمان حسب المادة (13) من الاتفاقية، هذه المادة مكنت البرلمان من تعطيل الحكومة وخلق حكومة موازية لها مما ادى بالانقسام المؤسساتي اللاحق.

كانت اولى اسافين تعطيل المسار السياسي هو عدم اعتماد حكومة الوفاق من قبل البرلمان، وقد عبر عن هذا الامر الدكتور ابوبكر بعيرة حين اشار الى هذا الخطاء لاحق. وبالطبع، تعطيل اعتماد الحكومة، عطل تنفيد العديد من المهام التي كان يمكن ان تبني الدولة مثل المادة (10) من اتفاقية الصخيرات، والتي تلزم الحكومة بتشكيل لجنة مشتركة من النواب والدولة ومجلس الدفاع والامن القومي للتوافق على قانون صلاحيات القائد الاعلى والمستويات القيادية بالجيش، والتي كان من الممكن ان تؤسس لجيش موحد اهم اركان الدولة. والنتيجة الانقسام الثاني للحكومة الليبية (السراج/الثني) بعد الانقسام الاول زمن حكومة عمر الحاسي/الغويل/الثني.

تعتر رؤساء البعثة الاممية في ليبيا من التوصل الى حل لازماتها والعودة بها كدولة فاعلة، وكان اخر هؤلاء السيد الدكتور غسان سلامة ونائبته السيدة ستيفاني وليامز، فرغم الدور الذي قاما به بعد حرب الكانيات على طرابلس عام 2018، الا ان استمرر دورهما اصطدم بحرب ابريل 2019 الذي عطل مشروع مؤتمر غدامس، وجعل البلاد مرة اخرى رهينة للقوى الاجنبية وعلى راسها روسيا وتركيا عسكريا.

ادرك السيد غسان سلامة ونائبته السيدة ستيفاني وليامز تماما ان تأزم الحالة الليبية يعود الى الدعم الخارجي للفرقاء السياسين، لذلك عمل غسان سلامة بالتعاون مع المستشارة الالمانية السيدة انجيلا ميركل على جمع هذه الدول في محاولة لتحيدها عن الصراع الليبي، وفي يناير 2020، جمع مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، بدعوة من المستشارة أنجيلا ميركل، حكومات كل من الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وممثلين عن الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام وممثله الخاص في ليبيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وتعهد قادة الدول المشاركة في ذلك المؤتمر بعدم التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، وكذلك دعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلد. الا ان هذه الدول لم تلتزم بتعهداتها، فقد استمر تدفق الاسلحة الى ليبيا حسب تقارير المنظمات الدولية المهتمة بهذا الامر.

انطلقت أعمال مؤتمر برلين 2 حول ليبيا، بمشاركة 15 دولة إضافة إلى 4 منظمات دولية. وشاركت الحكومة الليبية في فعاليات هذا المؤتمر للمرة الأولى. وجاء المؤتمر لتقييم التقدم المحرز في العملية السياسية منذ مؤتمر برلين الأول، بالإضافة الى ملف الانتخابات الوطنية التي تقرر عقدها في 24 ديسمبروكذلك ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية.

بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2510 (2020) ، الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتيسير الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي من 7 إلى 15 نوفمبر 2020 في العاصمة التونسية. جمع الملتقى  75 مشاركًا ليبيًا من النساء والرجال الذين يمثلون ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الليبي. بدأت محادثات ملتقى الحوار السياسي الليبي بجلستين افتراضيتين واستمرت باجتماعات مباشرة بين اعضاء ملتقى الحوار. وقامت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني وليامز، بتيسير المحادثات بدعم من فريق من البعثة يمثل مختلف الأقسام، وكذلك فريق من مركز الحوار الإنساني. كما قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم التنظيمي والتشغيلي لملتقى الحوار السياسي الليبي. وفي ختام الملتقى، توافق ممثلوا الليبيين على خارطة طريق لإجراء انتخابات وطنية وشاملة وديمقراطية وذات مصداقية، وذلك في 24 ديسمبر 2021. وهذا اليوم التاريخي، الذي سيصادف مرور 70 عاماً منذ إعلان ليبيا استقلالها في عام 1951، كان سيمثل ً فرصة لإنهاء المرحلة الانتقالية واختيار طريق جديد للمضي قدماً.

اتفق المشاركون على ضرورة إصلاح السلطة التنفيذية المنبثقة عن اتفاقية الصخيرات بما يتماشى وخلاصات مؤتمر برلين، وحددوا هيكل واختصاصات المجلس الرئاسي ورئيس للحكومة منفصل عن المجلس، وهذا هو اول التعديلات على هيكلية اتفاقية الصخيرات التي كانت تعتبر رئيس المجلس هو رئيس للحكومة ايضا، وكان المجلس مكون من 9 اعضاء فقلص الى 3 اعضاء فقط. كما حددوا أيضاً معايير الترشح لهذه المناصب. وشكلت وثيقة الاختصاصات ومعايير الترشح والبيان الصادر عن المشاركات المخرجات الرسمية لهذه الجولة من ملتقى الحوار السياسي الليبي والذي اعتبر خارطة طريق للوصول الى الانتخابات.

أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا قائمة المرشحين للمجلس الرئاسي ومنصب رئيس الوزراء، وتم اعتماد 24 مرشحا لعضوية المجلس الرئاسي، وقد تضمت القائمة العديد من الذين تسببو في ألازمة السياسية التي تمر بها البلد، فكانت احد القوائم مثلا تضم السيد عقيلة صالح كرئيس للمجلس (بعد ان تعهد بترك رئاسة البرلمان لشخصية من الجنوب) والسيد باشاغا رئيس حكومة، الا ان قائمة المنفي- الدبيبة هي التي حضيت بالترشيح.

فشل قائمة عقيلة – باشاغا دفعت السيد عقيلة الى التنكر لوعده بالتخلي عن رئاسة البرلمان، مما اثار جدلا حول التفكير في انتخاب رئيس جديد للبرلمان، الا ان السيد عقيلة صالح تمكن من العودة الى رئاسة البرلمان رغم ذلك الجدل ومحاولة ابعاده.

كلف دبيبة باعتباره رئيس وزراء القائمة المرشحة باختيار وزرائه، وكان المأمول ان يتم تكوين حكومة مصغرة تدير البلد وتشرف على ثلاثة ملفات رئيسية وهي الاعداد للانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة وتيسير حياة المواطنين، الا ان تشكيل الحكومة لم يسلم من تدخلات متصدري المشهد السياسي، فشملت 27 وزارة و6 وزارات دولة لارضاء هؤلاء وتمرير التشكيلة الوزارية، ولم تكن حكومة كفاءات كما كان يفترض، بل حكومة ترضية ضمت وزراء يمثلون شخصيات ذات صلة بالاجسام المهيمنة على المشهد السياسي، لهذا كان الفشل في الاداء متوقع.

مر 24 ديسمبر ولم تنجز الانتخابات، وتعددت تفاسير الفشل، ارجعها البعض الى قانون الانتخابات المعيب، والبعض الاخر الى ترشح شخصيات بعينها، والنتيجة ان الانتخابات لم تنجز، واسفر عدم انجازها على اشكالية جديدة تمثلت في تفسير البرلمان  لخارطة طريق ملتقى جنيف، حيث اعتبرو ان فشل الانتخابات هو نهاية لحكومة دبيبة. وعوضا عن محاولة معالجة اسباب عدم انجاز الانتخابات، ومحاولة العمل على احقاقها اهتم البرلمان فقط بتحميل الحكومة اسباب فشل الانتخابات، وبالتالي عملوا على اسقاطها من خلال الاتفاق على التعديل الدستوري 12 وتكليف حكومة جديدة، واصبح الحديث عن الانتخابات اخر مشاغل البرلمان الليبي. على ان الغائب في هذا الامر ان دبيبة جزء من حزمة خارطة الطريق واتفاقية الصخيرات، اي انه احد المكونات الاساسية لحزمة التفاهمات وليس منفصل عنها، وبالتالي فليس للبرلمان ولاية عليه او على المجلس الرئاسي، وسحب التقة من الحكومة لا ينال من الوضعية القانونية لرئيس الحكومة، فاعلى ما يمكن للبرلمان فعله هو المطالبة بتغير الحكومة فقط.

هكذا ادخل البرلمان البلد في ازمة جديدة لا تختلف عن الازمة الاولى التي قسمت الحكومة ومؤسسات الدولة في العام 2016، وكما فشل اتفاق الصخيرات على الوصول بالليبين الى انهاء المراحل الانتقالية وتعيين برلمان جديد يمثل كل الليبين ويعالج ملف السلطة التشريعية، فشلت مخرجات جنيف في انجاز ما تم افشاله في العام 2016 لتستمر ازمة تعدد مؤسسات الدولة والقضاء على اي محاولات جادة لانهاء الانقسام وحل المشاكل التي تعاني منها ليبيا كدولة والليبين كمواطنين في هذه الدولة.

مازال المجتمع الدولي يتعامل مع حكومة الوحدة باعتبارها الحكومة الشرعية، وحتى الدول التي سارعت بمباركة تشكيل حكومة الاستقرار كما سميت فقد تراجعت عن مباركتها ولم تعلن اعتراف صريح بهذه الحكومة. وكما ان حكومة الوفاق لم تكون حكومة وفاق وحكومة الوحدة عحزت ان تفرض سيطرتها على كل التراب الليبي، فحكومة الاستقرار اسقطت كل استقرار ممكن قبل ان تستلم مهاهما، هذا ان تمكنت ان تستلم هذه المهام.

الاشكالية الحقيقية هي في غياب المرجعيات التي تهيمن على تفسير القوانين واللوائح والحودات الصادرة، وبالتالي فكل يفسر ما يحلو له حسب مصالحه ورؤيته طارحا بعرض الحائط رؤية خصومه وتفسيراتهم، لذلك اصبح الخلاف يتعمق كلما حدث امر ما اضر او سحب مصالح فريق من الفرقاء. مخرجات جنيف مثلا هي منتج اممي، صاغ خارجة الطريق ملتقى الحوار الليبي بالتعاون والتنسيق مع البعثة الاممية، وضمنت في ملفات مجلس الامن الدولي، وبالتالي فان تفسير هذه الخارطة هو حق اصيل للبعثة الاممية وملتقى مجلس الحور، والخوض في تفسيرها من قبل اطراف الصراع هو محاولة لتأزيم الموقف ليس الا، وبالتالي عبث بمستقبل البلاد وسد لمنافد الحلول الممكنة.

The post ليبيا.. أزمة الحكومتين appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.