الأصل في الغاية من الانتخابات هو المصلحة النهائية للشعب، فهي آلية من آليات الديمقراطية في شقها التنفيذي، يختار الشعب بواسطتها أفضل من يرى أنه الأجدر بإدارة عجلة مؤسسات الدولة، وعلاقاتها الخارجية، وكافة شؤونها لمدة زمنية محددة في الدستور.
هذا هو المفهوم المتعارف عليه لدى كل الشعوب التي امتلكت ومارست هذا الحق منذ تبنيها للنظام الديمقراطي إلى آخر انتخابات شهدتها، ثمة فعل موازي تمارسه الحكومات الاستبدادية، تنظم فيها السلطة المهيمنة انتخابات مزورة من البداية إلى النهاية، والطريف أن السلطة وهي تجريها في أجواء دعائية احتفالية تعرف أنها مزورة، والشعب يعرف أنها مزورة بالكامل، ونتيجتها معروفة.
مفوضية الانتخابات، واللجان المنبثقة عنها، المشرفون على الدوائر الانتخابية ومراكز الاقتراع، وسائل الإعلام المحلية التي تتابعها بحماس، اللجان القضائية المكلفة بالنظر والبث في الطعون، كل هؤلاء يعرفون أنها مزورة، وأن سيادة الرئيس الفائز سلفا بدورة رئاسية سابعة أو ثامنة، هو من سيحدد النسبة التي فاز بها، وكذلك نسب بقية المنافسين، إن وجدوا، لأن ثمة انتخابات لا يجرؤ أحد على التقدم لها إلا مقامر بحياته.
في الانتخابات الحرة الشعب هو البوصلة والهدف والمبتغى، ومن ثم كل حزب يسعى للسلطة عليه أن يجد في نيل وده ورضاه، ويطرح برنامجا انتخابيا يرى أنه يجسد رغبات الشعب وتطلعاته، وتكون المنافسة في هذه الانتخابات حقيقية، يصعب التكهن بنتائجها، لأن الأساس السليم للممارسة الديمقراطية، مع العمل الدؤوب لنشر الثقافة الديمقراطية واستبدال قيم احترام الاختلاف والتنوع، بقيم الإيديولوجيات الشمولية.
حتى في المراحل الانتقالية، حرصت النخب السياسية، في شرق أوروبا عقب سقوط الأنظمة الشيوعية، على البناء السليم للمسار الديمقراطي والدستوري، فلا قوانين استثنائية لحزب أو كيان أو شخصيات أو طائفة أو مجموعة إثنية، لأن من ركائز الديمقراطية العدالة وتكافؤ الفرص، وإتاحة الفرصة أمام جميع الأطراف الفاعلة بدون إقصاء، للمشاركة في بناء الديمقراطية، ولكن هذا لا يعني عدم وضع ضوابط ومعايير دقيقة لتولي المناصب والمسؤوليات، خاصة المناصب العليا التي تستدعي كفاءة عالية، ومهارات خاصة.
لا يتحقق نجاح عملية التحول الديمقراطي من دون حسم كل الإجراءات والشروط والمعايير، التي ينبغي أن تكون بوصلتها مصلحة الشعب بكل مكوناته وفئاته وطبقاته، لا مصلحة أطراف سياسية، لا تملك من القدرات القيادية غير الانتهازية وصحة الوجه، هدفها التمتع بامتيازات السلطة، من دون وعي بمسؤولياتها الجسيمة.
هذه المسلمات البديهية لكل عارف بالسلوك الممارسة السياسية، تقودنا بالضرورة إلى حالة الصراع القائمة الآن حول القوانين الانتخابية، والتجاذبات القائمة حولها بين الأطراف السياسية، فكل خطواتها وقوانينها ولجانها، لن يحالفها النجاح في العودة للمسار الديمقراطي بتنفيذ التغيير عبر الانتخابات، لأن الهدف والمبتغى هو تكريس هيمنة الأطراف التي تملك القوة والنفوذ، بتفصيل القوانين على مقاساتها، وليس ترسيخ الممارسة الديمقراطية، وفقا لمرجعية واضحة وأساسية ووحيدة، هي مصلحة الشعب.
The post مصلحة الشعب أم مصلحة الأكثر قوة؟ appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.