معالجة أزمة المحضرين القضائيين في ليبيا

0
5

تواجه المنظومة القضائية في ليبيا أزمة حقيقية في أداء المحضرين القضائيين (أعوان التبليغ والتنفيذ)، انعكست آثارها على فاعلية العدالة في المحاكم الليبية خاصة في القضايا المدنية، الإدارية، والأحوال الشخصية. ويرجع ذلك إلى تقادم التشريعات المنظمة (قانون المرافعات الصادر في خمسينيات القرن الماضي)، وغياب التحديث التقني، وضعف التأهيل والرقابة.

يؤدي هذا الخلل إلى تعطيل التبليغات، وتأخير الفصل في الدعاوى، وإهدار الحقوق، والطعن في نزاهة الإجراءات، مما يستوجب دراسة آليات حديثة لمعالجة هذه الأزمة الهيكلية بما يواكب التطور الحاصل في أنظمة العدالة على المستوى الدولي.

*أولاً: آليات حديثة لمعالجة الأزمة

1- اعتماد التبليغ الإلكتروني الرسمي:

إنشاء منصة عدلية رقمية رسمية تربط المتقاضين برقم وطني، تتيح إرسال واستلام الإعلانات القضائية عبر البريد الإلكتروني المعتمد، الرسائل المشفرة، أو تطبيق رسمي للهاتف المحمول.

يعتبر التبليغ نافذاً قانوناً بعد مضي 48 ساعة من تأكيد الاستلام الرقمي.

يُبدأ به تدريجياً في الدعاوى المدنية والأحوال الشخصية والإدارية.

2- نظام “المحضر الرقمي”:

تطوير تطبيق رقمي موحد خاص بالمحضرين القضائيين، يستخدم في كل مراحل التبليغ الميداني، ويشمل تحديد المكان، تصوير محضر الموقع، توثيق الزمان والمكان، وتقديم تقرير مباشر.

يتيح إشرافاً لحظياً من الجهات القضائية المختصة (رئاسة المحكمة أو هيئة التفتيش القضائي).

3- آلية التتبع والمراجعة الإلكترونية:

منصة إلكترونية عامة تسمح لأطراف الدعوى بمتابعة حالة التبليغ، وتقديم اعتراض أو ملاحظة في حال وجود تأخير أو تلاعب.

توثيق كل خطوة من خطوات التبليغ بسجل زمني رقمي.

4- إشراك وسطاء عدليين معتمدين:

منح صلاحيات التبليغ لجهات قضائية مرخصة (شركات بريد قضائي – جهات خاصة معتمدة) وففاً لمعايير مهنية، وتحت رقابة القضاء.

تُستخدم هذه الجهات للمناطق النائية أو عند تعذر وصول المحضرين الرسميين.

5- إصلاح هيكلي لمهنة المحضرين:

إدخال شروط تأهيل وتدريب حديثة، ودمج أدوات رقمية في المهام اليومية.

اعتماد بطاقة مهنية ذكية للمحضر، وزي رسمي، وأسلوب توثيق رقمي إجباري.

ثانياً: متطلبات تشريعية مرافقة

تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية:

لإدخال التبليغ الإلكتروني كوسيلة أصلية معترف بها قانوناً.

تنظيم صلاحيات إشراف المحاكم على المحضرين رقمياً.

تعديل قانون نظام القضاء أو إصدار لائحة تنظيمية وذلك:

لتحديد آليات رقابة وتفتيش إلكتروني دائم على أعمال المحضرين.

لتمكين رئاسة المحكمة وهيئة التفتيش من متابعة الأداء لحظياً.

تقنين استخدام التقنية ضمن الإجراءات القضائية:

بإدراج مواد تشريعية تعترف بسجلات التبليغ الرقمية كمستندات رسمية قانونية.

وختاماً: تمثل أزمة المحضرين في المحاكم الليبية إحدى أبرز العقبات أمام انتظام العمل القضائي في ليبيا، ويستوجب علاجها اعتماد نهج مزدوج يجمع بين إصلاح تشريعي شامل وتحديث تقني مؤسسي. وتجارب العديد من الدول (مثل فرنسا، والإمارات، وكندا) تُظهر جدوى الانتقال إلى التبليغ الإلكتروني والمحضر الرقمي في تجاوز الإشكاليات التقليدية وتحقيق عدالة ناجزة.

إن التوجه نحو هذه الإصلاحات لن يسهم فقط في حل أزمة المحضرين، بل سيعيد بناء الثقة في المنظومة القضائية ويقلل من معدلات التأخير، البطلان، والتظلمات الناتجة عن قصور التبليغات.

The post معالجة أزمة المحضرين القضائيين في ليبيا appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.