مقال: هل ستنقذ موسكو الدول العربية من احتجاجات أزمة الغذاء؟

0
292

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، مخاوف من انفجار أزمة غذائية في عدة بلدان عربية، تستورد عادة الحبوب، وخاصة القمح، حيث لامست أسعاره العالمية الذروة لأول مرة منذ 14 عاما.

وارتفع القمح إلى أعلى مستوى منذ عام 2008 وسط مخاوف متزايدة من حدوث نقص عالمي، حيث أدت حرب أوكرانيا إلى وقف أكثر من 25 في المئة من صادرات العالم من المواد الأساسية المستخدمة في كل شيء من الخبز إلى البسكويت والنودلز، حيث تزود روسيا وأوكرانيا ما يقرب من ثلث صادرات القمح العالمية، ومنذ الهجوم الروسي على جارتها، توقفت الموانئ المطلة على البحر الأسود تقريباً، ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار القمح إلى مستويات قياسية متجاوزة المستويات التي شوهدت خلال أزمة الغذاء في 2007-2008.

وقررت أوكرانيا، في وقت سابق من الشهر الجاري، حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية؛ كما حظرت روسيا تصدير القمح ونحو 200 سلعة أخرى.

وتُشير الأرقام إلى أن الدول العربية بشكل عام، تحصل على ما نسبته 25 في المائة من صادرات القمح العالمية، فيما تستورد مجتمعة 60 في المائة من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا؛ نظرا لسعرها المنخفض في البلدين، إضافة إلى فرنسا ورومانيا.

هل تنقذ روسيا العالم العربي من احتجاجات تتعلق بالغذاء؟

نشر موقع “المجلس الروسي للشؤون الدولية” المقرب من الكرملين، مقالا تحدث فيه عن الاضطراب الذي هز سوق الحبوب العالمي، حتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لاسيما أنه في السنوات الأخيرة برزت هيمنة روسيا وأوكرانيا على سوق الحبوب، متناولة ما إذا كانت موسكو ستنقذ الدول العربية من احتجاجات متوقعة بسبب أزمة الغذاء.

وجاء في المقال الذي ترجمته ونقلته شبكة “عربي21″؛ أن روسيا احتلت المركز الأول في صادرات الحبوب بإجمالي 7.92 مليارات دولار، أمام كل من الولايات المتحدة التي بلغت صادراتها 6.32 مليارات دولار، وكندا بصادرات قيمتها 6.3 مليارات دولار، وفرنسا بصادرات بلغت 4.5 مليارات دولار، فيما احتلت أوكرانيا المركز الخامس بإجمالي 3.59 مليارات دولار؛ وبذلك؛ استحوذت روسيا وأوكرانيا معا على 30.5 ٪ على الأقل من إجمالي المبيعات.

وينوه المقال إلى أنه بعد بدء العملية العسكرية الروسية، شهد السوق اضطرابات في التزويد، لاسيما بعد تقييد الملاحة في بحر آزوف والبحر الأسود وغلق العديد من الموانئ الأوكرانية، كليّا أو جزئيّا. وبالرغم من تأكيدات كييف دعمها للمزارعين، إلا أنه من الصعب التكهن بابتداء عمليات البذر للموسم القادم في وقتها المحدد، ناهيك عن استئناف الصادرات الغذائية في المستقبل القريب، كما أنه لا يزال من الصعب للغاية تقييم مدى تأثير تشديد العقوبات الغربية ضد روسيا على سوق الغذاء المحلي، وتوريد المنتجات الزراعية في الخارج.

وبحسب الموقع، فقد أجبرت حالة عدم الاستقرار من ناحية والحد من المضاربة في السوق السوداء من ناحية أخري، الحكومة الروسية على فرض حظر -في 14مارس- على تصدير القمح والشعير والذرة إلى دول المنطقة الاقتصادية الأوراسية، وكذلك السكر الأبيض وقصب السكر الخام إلى دول العالم الثالث، وقد يستمر طويلا.

وفي هذا الصدد، قال الموقع إن العديد من المحللين يتخوفون من تفاقم الأزمة الأوكرانية التي يمكن أن تتحول إلى تضخم وعواقب أسوأ من الأزمة المالية العالمية سنة 2008، واستشهد بكلمة رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، جيلبرت هوانغبو، حول مخاطر ارتفاع أسعار المواد الغذائية والجوع، التي -في رأيه- تُعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر وتزيد من التوترات الجيوسياسية.

وأشار الموقع إلى أن البلدان العربية المهددة بخطر النقص الغذائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولاسيما البلدان الأكثر اكتظاظا بالسكان مثل مصر (106 ملايين نسمة)، والجزائر (45 مليون نسمة) والسودان (45 مليون نسمة)، وبلدان تعيش في حالة نزاع مسلح مثل اليمن وليبيا وسوريا والصومال والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأوضح المقال أن البلدان العربية تعاني من مشاكل داخلية، إضافة إلى الخوف من انفجار شعبي وأعمال شغب ضد غلاء الأسعار والجوع تحت شعارات الربيع العربي؛ ففي مملكة البحرين مثلا؛ حيث توجد سلالة آل خليفة السنية في السلطة، يمكن أن يؤدي الارتفاع الكبير لأسعار الغذاء إلى انتفاضة السكان ذوي الأغلبية الشيعية، كما حدث في فبراير ومايو 2011.

ولفت إلى أن قيادات الدول العربية لم ينسوا أن المبادرين والمشاركين في الموجة الاحتجاجية الأولى بين 2011 و2012 مطالبين بالحرية والخبز في أثناء “ثورة الياسمين” في تونس؛ حيث انطلقت الشرارة الأولى للثورات العربية تحت شعار “خبز وماء وبن علي لا”؛ ومع اعتبار أن تونس تعتمد بالأساس على إمدادات القمح الأوكراني؛ فإن أي توقف لها يُعد محفوفا بالمخاطر وينذر بانفجار شعبي جديد.

وينقل المقال عن قاعدة البيانات الإحصائية للأمم المتحدة، قولها؛ إنه في الفترة ما بين 2016 و2020 اشترت مصر القمح -حيث تعتبر هي أكبر مستورد إقليمي له- من روسيا مقابل 7.39 مليارات دولار، ومن أوكرانيا مقابل 2.34 مليار دولار، و في عام 2019 استحوذ الروس والأوكرانيين على 73 بالمائة من إجمالي الواردات المصرية.

وبحسب الموقع، فإنه في سياق تقلبات السوق على خلفية العملية الجارية في أوكرانيا وتشديد العقوبات الغربية ضد روسيا، واجه المصريون نقصا حادا؛ حيث يتعين على مصر اتخاذ تدابير فورية لتنويع الإمدادات من أجل تجنب تدهور ملحوظ في الوضع الغذائي، مبينا أنه على الجانب الآخر، تدرس وكالة الحبوب الحكومية الجزائرية – بعد أن فقدت الواردات المستقرة من القمح من منطقة البحر الأسود – خيارات توسيع جغرافية الإمدادات؛ حيث يمكن إعادة السماح باستيراد القمح الفرنسي، الذي تم حظره منذ أكتوبر 2021 بسبب الفضيحة التي سببتها التصريحات السلبية للرئيس الفرنسي، الذي اتهم الجزائريين بإعادة كتابة تاريخ استعمارهم.

ويرى الموقع في مقاله، أن الأمن الغذائي في فلسطين يواجه صعوبة بالغة؛ حيث يعتمد أساسا على الإمداد الروسي بنسبة 83 في المئة من إجمالي كمية إمدادات القمح، وذلك بقيمة 10.98 ملايين دولار، وكذلك لبنان التي استوردت الحبوب من دول البحر الأسود، بنسبة تراوحت بين 67 و95 بالمائة ما بين سنتي 2010 و2018، وبعد توقف الإمدادات الأوكرانية، يعاني اللبنانيون من نقص حاد في الخبز والطحين.

ويلفت المقال إلى إن البلدان التي تعاني من نزاعات مسلحة داخلية، والتي غالبا ما تكون غير قادرة على دفع تكاليف توصيل الأغذية التجارية من ميزانياتها الخاصة، قد وجدت نفسها في أصعب المواقف، فوفقا للأمم المتحدة، في عام 2019 ، استورد اليمن قمحا بقيمة 145.8 مليون دولار من روسيا و79.8 مليون دولار من أوكرانيا -من إجمالي واردات ما يقرب من 550 مليون دولار- ولا يستبعد الخبراء حدوث تدهور كارثي في حالة الأمن الغذائي في اليمن في المستقبل القريب.

ويبين الموقع أن الأوضاع تعد أفضل قليلا في ليبيا -التي اجتاحتها الحرب الأهلية-، حيث قفزت تكلفة الخبز والدقيق بنسبة 40 بالمئة، وزيت عباد الشمس بنسبة 25 بالمائة على خلفية الأحداث الأوكرانية.

أما في العراق، فقد ارتفع سعر الخبز والسكر بنحو 20٪. ولا يزال الوضع في سوريا غامضا للغاية بسبب العلاقات الاقتصادية المقطوعة، على الرغم من تأكيدات رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس في 14 مارس، بوجود إمدادات كافية من القمح قبل موسم الحصاد المقبل.

إنقاذ العالم العربي من احتجاجات بسبب الغذاء

ينوه الموقع إلى أن موسكو لاتزال لديها استعدادات حقيقية لزيادة الصادرات إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ففي الفترة من يناير إلى يوليو 2021، تمكن الجانب الروسي من زيادة الحجم المادي للصادرات الزراعية إلى تونس بمقدار 4.5 مرات، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020؛ حيث يعد القمح الغذائي المحلي من الفئتين الثالثة والرابعة منافسا جيدا في الأسواق العالمية، ويتمتع بخصائص سعرية وجودة جيدة.

وأكد الموقع أنه بطبيعة الحال -من خلال إعلان حرب العقوبات على روسيا-، لن يسمح الغرب لها بملء مكانة المصدرين الأوكرانيين بحرية، وسيتم استخدام العلاقات العامة الخفية والضغط السياسي والتلاعب بمتطلبات جودة الحبوب، مثلما حدث سنة 2018 في شحنة القمح المستورد من مصر، كما قد تتهرب بعض الهياكل الدولية؛ بحجة التدابير التقييدية الخارجية القائمة، من تمويل الإمدادات الإنسانية الروسية لصالح المنافسين الغربيين.

ويُتابع المقال بأنه في الظروف الطارئة للعقوبات المعادية لروسيا، وفي إطار توسيع علاقاتها التجارية الخارجية مع العالم العربي، لا يمكن للمرء الاستغناء عن نهج منظم وشامل، ما يعني إدخال آليات فعالة جديدة كالمدفوعات بالعملات الوطنية، التي يمكن استخدامها في التجارة مع مصر والمغرب والجزائر؛ حيث تم شحن 60 ألف طن من القمح في يونيو 2021، بعد انقطاع دام خمس سنوات، لذلك من المستحسن الاستفادة من مصلحة هاته البلدان المنتجة للزراعة في زيادة الإمدادات المباشرة من منتجاتها، خصوصا الحمضيات والخضروات الموسمية، إلى روسيا.

ويرى المقال أنه في إطار التعاون الروسي الخليجي، وفي ظل وجود اتفاقيات متبادلة للمنفعة، بما في ذلك توريد التقنيات المحلية المتقدمة، يمكن للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن تمول نظريا الإمدادات الإنسانية الموسعة من القمح الروسي إلى اليمن وسوريا وليبيا.

وفي ختام مقاله، أفاد الموقع بأن روسيا لديها القدرة على أداء دور أكثر نشاطا في ضمان الأمن الغذائي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولذلك تعمل روسيا على تقديم الدعم للمزارعين الروس والحصول على مصادر إضافية لملء ميزانية الدولة.

The post مقال: هل ستنقذ موسكو الدول العربية من احتجاجات أزمة الغذاء؟ appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.