موجات الحر في أوروبا.. الشرارة الخفية التي تُشعل أزمة اقتصادية مدوية!

0
17

تتصاعد حرارة أوروبا عاماً بعد عام، لكن ما يجري اليوم لم يعد مجرد صيف حار، بل تحوّل إلى كابوس اقتصادي صامت يهدد استقرار واحدة من أقوى الكتل الاقتصادية في العالم: منطقة اليورو.

الحرارة المرتفعة، التي تضرب جنوب القارة بشراسة وتخترق قلبها الاقتصادي، بدأت تُترجم إلى أرقام تضخم متصاعدة، وتراجع في النمو، واضطراب في سلاسل الإنتاج، وضغوط غير مسبوقة على البنوك والسياسات النقدية. فهل تُعيد موجات الحر كتابة معادلة الاقتصاد الأوروبي؟

موجات حر تُشعل الأسعار.. والبنك المركزي يدق ناقوس الخطر

تحذير غير مسبوق أطلقه البنك المركزي الأوروبي هذا الشهر: موجات الحر والتغير المناخي لم تعد تحدياً بيئياً، بل تهديداً هيكلياً لاستقرار الأسعار والنمو الاقتصادي.

بحسب البنك، فإن موجة حر صيف 2022 وحدها رفعت تضخم أسعار الغذاء في منطقة اليورو ما بين 0.4 و0.9 نقطة مئوية، وأثرت مباشرة على الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا. أما صيف 2023، فقد شهدت فيه أسعار الخضروات قفزة بأكثر من 13% خلال شهر واحد، وارتفعت أسعار الكهرباء في بعض المدن الأوروبية بنسبة 7%، بحسب تقرير اطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

عضو المجلس التنفيذي للبنك، فرانك إلدرسون، حذر من أن التغيرات المناخية أصبحت عاملاً دائماً في قرارات السياسة النقدية، وأكد أن البنك بدأ يُدخل “تدهور الطبيعة” ضمن حساباته الاقتصادية.

من التضخم إلى الركود.. الاقتصاد الأوروبي في فخ مناخي

يصف عامر الشوبكي، مستشار الاقتصاد والطاقة، لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، موجات الحر بأنها “الشرارة الخفية” التي تُشعل نار التضخم وتُضعف محركات النمو.

وأكد أن ما يحدث ليس مجرد طقس سيئ، بل “تحول هيكلي” يضرب البنية الاقتصادية، موضحاً أن: القطاعات الحيوية مثل الزراعة والبناء والنقل تتراجع إنتاجيتها، مما يقلّص العرض ويرفع الأسعار، الاستهلاك الأسري يتقلص نتيجة ارتفاع فواتير الطاقة والتبريد والرعاية الصحية، الاعتماد على الطاقة المستوردة يعمّق الأزمة التضخمية، نظراً لأن أوروبا تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة.

أوروبا الشمالية تتأقلم.. والجنوبية تدفع الثمن

بحسب الشوبكي، التغير المناخي لا يضرب القارة بالتساوي. دول الجنوب – كإيطاليا وإسبانيا واليونان – تتحمل العبء الأكبر، مما يُعمق الفجوة التنموية مع الشمال الأكثر ثراء وتأقلماً.

وحذر من أن هذا الخلل المناخي-الاقتصادي يُهدد تماسك الاتحاد الأوروبي نفسه، ويزيد من الضغوط على الحكومات التي تجد نفسها مضطرة لرفع الإنفاق العام، مما يفاقم العجز والدين العام.

البنك المركزي الأوروبي يتمرد على “مدرسة باول”

في مشهد دولي متباين، يظهر البنك المركزي الأوروبي أكثر حدة في مواقفه من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فرغم إقرار جيروم باول، رئيس الفيدرالي، بخطر المناخ، إلا أنه يؤكد مراراً أن البنك ليس معنياً بدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، بل تدخل الفيدرالي مؤخراً لتقليص المعايير المناخية العالمية.

بالمقابل، يُصر البنك الأوروبي، بقيادة كريستين لاغارد، على أن المناخ أصبح جزءاً لا يتجزأ من السياسة النقدية، وأن من يتجاهله يخاطر بانهيار أدوات الاستقرار الاقتصادي.

أزمة غير تقليدية”.. والاقتصاد الأوروبي على صفيح ساخن

الدكتور محمد جميل الشبشيري، الخبير الاقتصادي، وصف لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية التغير المناخي بأنه “التهديد الجديد غير التقليدي” الذي يضرب قلب الاقتصاد الأوروبي.

وقال إن موجات الحر المتكررة: تُربك الإنتاج الزراعي: إسبانيا سجلت تراجعاً في إنتاج القمح بنسبة 27% عام 2023، تُقلل الإنتاجية البشرية: كل درجة حرارة إضافية تُخفض إنتاجية العمل بنسبة 1.2%، تُكلف النمو: مؤسسة Bruegel قدّرت خسائر النمو في منطقة اليورو بـ0.3 نقطة مئوية سنوياً بسبب الحر.

الزراعة أول الضحايا.. وأسواق الشرق الأوسط تتأثر

التأثير لم يبقَ أوروبياً، فدول الشرق الأوسط والخليج التي تعتمد على الواردات الغذائية الأوروبية، بدأت تشعر بوطأة هذه الموجات المناخية: أسعار الحبوب والخضروات المستوردة ارتفعت، الاضطرابات في سلاسل التوريد الأوروبية أثرت على السلع الطبية والصناعية في المنطقة.

أوروبا في سباق مع الزمن.. إما التكيف أو الانهيار

الخلاصة جاءت من الشوبكي: “هذه ليست أزمة طقس، بل إعادة تشكيل لنموذج النمو الأوروبي برمته، وما لم يُدمج المناخ في السياسات النقدية والمالية بذكاء، فإن منطقة اليورو ستدفع ثمناً تصاعدياً لعجزها عن التكيف”.

ورأى أن الاقتصاد الأوروبي أمام مفترق طرق: إما التحول الذكي نحو اقتصاد مرن ومتأقلم مع تغير المناخ، أو الانزلاق في دوامة من التضخم والركود والعجز الهيكلي.

أوروبا تشتعل.. والحر القادم أخطر!

بينما تُعلن 16 مدينة فرنسية حالة الطوارئ بسبب موجات الحر، وتُسجل درجات حرارة تقترب من 40 درجة مئوية، تتكشّف ملامح تهديد أكبر: الحرارة تقتل، لكن التضخم يخنق.

الحرارة لم تعد فقط تهدد البيئة والصحة العامة، بل بدأت تسحب خيوط الاستقرار الاقتصادي في أوروبا، ومن لا يرى في الشمس المتقدة سوى فصلاً صيفياً، يغفل عن زلزال مالي ومناخي صامت يتشكل في أروقة البنوك والمزارع ومصانع القرار.

The post موجات الحر في أوروبا.. الشرارة الخفية التي تُشعل أزمة اقتصادية مدوية! appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.