أمريكا تشدد رقابتها الرقمية.. الطلاب الأجانب مجبرون على كشف حساباتهم الاجتماعية

0
23

تطور لافت يعكس تصعيداً كبيراً في السياسات الأمنية تجاه الوافدين، خيث أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن تفعيل سياسة جديدة تلزم الطلاب الأجانب بالكشف الكامل عن حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك كشرط أساسي للنظر في طلبات تأشيرات الدراسة والتبادل الأكاديمي، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة من حيث مستوى الرقابة الرقمية المفروضة على الزائرين.

وبحسب إرشادات نشرتها الوزارة، فإن الإجراءات التي كانت معلّقة منذ نهاية مايو بانتظار مراجعة موسعة، ستُعاد تفعيلها بدءاً من الأسبوع المقبل، وسط تأكيدات بأن المنصات الاجتماعية باتت ساحة “أمنية حساسة” تُستخدم لتحديد نوايا المتقدمين ومدى تقبلهم للقيم الأميركية.

وقال مسؤول رفيع في الخارجية إن القرار الجديد يأتي “ضمن استراتيجية متكاملة لتعزيز التدقيق على الداخلين، وتحديد أي مؤشرات محتملة على عداء تجاه الولايات المتحدة”. وأضاف: “لن يُنظر في طلب أي تأشيرة دون إخضاع حسابات المتقدمين لرقابة شاملة من قبل مسؤولين قنصليين مدربين على تحليل السلوك الرقمي”.

ولضمان فعالية هذه السياسة، طُلب من الطلاب الأجانب تعديل إعدادات الخصوصية في حساباتهم الإلكترونية وجعلها عامة بالكامل، بما يسمح بالوصول إلى المنشورات، الصور، والأنشطة المرتبطة بمجموعات أو قضايا سياسية أو دينية.

جذور القرار: توجه ترمبي صارم

هذه الخطوة تمثل امتداداً مباشراً لنهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أصدر منذ يومه الأول في البيت الأبيض أوامر تنفيذية تفرض تشديداً شاملاً على إجراءات التدقيق الأمني بحق الداخلين إلى الولايات المتحدة، وخصوصاً من الدول التي تُعتبر “مصدر تهديد فكري أو عقائدي”، على حد تعبير أحد مستشاريه السابقين.

ويقول مراقبون إن السياسة الجديدة لا تقتصر على مجرد حماية الأمن القومي، بل تتسق مع رؤية “أميركا أولاً” التي تسعى لإعادة تعريف العلاقة مع الأجانب من منطلق الولاء القيمي والثقافي، وليس فقط المعايير الأكاديمية أو المهنية.

خلفية وسياق: الجامعات ساحة معركة

الملف لا يخلو من بعد سياسي حساس. فقد شكّلت تأشيرات الطلاب خلال إدارة ترامب أحد أبرز الملفات الخلافية، إذ ألغيت آلاف التأشيرات في السنوات الماضية، وشهدت البلاد معارك قانونية بعدما حاولت الإدارة السابقة منع جامعات مرموقة، مثل هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من استقبال طلاب دوليين بحجة “غياب التوافق القيمي”.

ومؤخراً، ألغى وزير الخارجية ماركو روبيو تأشيرات عدد من الطلاب المشاركين في مظاهرات مناهضة للهجوم الإسرائيلي على غزة، مستنداً إلى قانون نادراً ما يُستخدم، يسمح بترحيل أي أجنبي يُعد معادياً لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.

وفي أبريل الماضي، أعلنت وزارة الأمن الداخلي أن حسابات الطلاب الأجانب على المنصات الرقمية ستخضع لمسح واسع النطاق بحثاً عن “أنشطة معادية للسامية”، والتي اعتبرتها الإدارة سبباً كافياً لرفض منح التأشيرات أو إلغائها حتى بعد صدورها.

من التدقيق إلى التصنيف: ماذا بعد؟

هذه السياسات لا تتوقف عند مجرد الاطلاع، بل تشمل تحليلاً دقيقاً للمحتوى المتداول، ومقارنته بسلوكيات رقمية أخرى، لتحديد ما إذا كان الطالب “يتبنى خطاباً تحريضياً أو فكرياً مضاداً للولايات المتحدة”، بحسب وثائق رسمية.

كما تشمل الإجراءات المتقدمة استخدام تقنيات ذكاء اصطناعي لرصد أنماط التفاعل، وتحليل الانتماءات الرقمية وربطها بسياقات أيديولوجية أو نشاطات سياسية، ما يثير تساؤلات حقوقية واسعة حول الخصوصية والتعدد الثقافي.

ردود فعل وتحذيرات

منظمات حقوق الإنسان أعربت عن قلقها حيال ما وصفته بـ”رقابة استباقية ذات طابع تعسفي”، محذّرة من أن هذه الخطوات قد تُستخدم لأغراض سياسية أو أيديولوجية، على حساب حرية التعبير، كما حذرت جامعات أميركية من احتمال تراجع أعداد الطلاب الدوليين، الذين يرفدون الاقتصاد الأميركي سنوياً بعشرات المليارات من الدولارات.

وتشير إحصائيات إلى أن الولايات المتحدة تستقبل أكثر من مليون طالب دولي سنوياً، ما يجعلها من أكثر الدول جذباً للكفاءات العلمية، غير أن مراقبين يخشون من أن تؤدي السياسات الجديدة إلى “هجرة عكسية” للكفاءات نحو وجهات أكثر انفتاحاً مثل كندا، ألمانيا، أو أستراليا.

خلاصة: رقابة رقمية… وأبعاد استراتيجية

بهذه الخطوة، تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الرقابة الأمنية، حيث باتت الحسابات الشخصية على السوشيال ميديا تُعامل كوثائق رسمية تُقرر مصير الطلبة والمهاجرين، وفيما تسعى واشنطن لحماية أمنها القومي، فإنها تفتح في الوقت نفسه فصلاً جديداً في النقاش العالمي حول التوازن بين الأمن والحرية، في عصر أصبح فيه “الرأي الرقمي” جزءاً من الهوية الحقيقية لأي شخص يعبر الحدود.

The post أمريكا تشدد رقابتها الرقمية.. الطلاب الأجانب مجبرون على كشف حساباتهم الاجتماعية appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.