حميدتي وتقسيم السودان.. هل ستولد دولة في دارفور؟

0
8

يبدو بأننا أمام فصل جديد من فصول المؤامرة الاستعمارية الكبرى على السودان، وهي المؤامرة التي نسجت بريطانيا خيوطها الأولى قبل اكثر من 100 عام عندما كانت تحتل السودان، ومهدت بسياساتها الاستعمارية الماكرة وإصدارها لمذكرة عام 1930م الشهيرة لما حدث من صراعات بين الشمال والجنوب منذ استقلال السودان في عام 1955م وصولاً إلى الحرب بين الشمال والجنوب ما بين عامي 1983م – 2005م تلك الحرب التي انتهت باتفاق نيفاشا للسلام والذي مهد لاستفتاء الجنوبيين في يوليو عام 2011م واختيارهم الانفصال عن الشمال.

كان من الواضح بعد تفجر الصراع في دارفور في عام 2002م وتدويل قضية الصراع في دارفور بأن مخطط تقسيم السودان لن يتوقف عند الجنوب بل سيمتد إلى دارفور أيضأ، في أبريل عام 2023م وبعد فشل المسار السياسي بين المكون المدني من أحزاب وقوى سياسية وتحالف المكون العسكري البرهان – حميدتي اشتعلت الحرب بين تحالف المكون العسكري البرهان – حميدتي وهي حرب أدت إلى كارثة إنسانية في السودان وخسائر اقتصادية فادحة، وبعد خسارة حميدتي لمواقع سيطرة قواته في الخرطوم العاصمة وما حولها من مناطق ومدن استراتيجية هامة بات من الواضح بأن حميدتي بدا في تركيز ثقل عمل قواته في دارفور حيث حاصرت قواته مدينة الفاشر ثم دخلتها وارتكبت فيها جرائم بشعة في حق المدنيين، وقبل ذلك ارتكبت قوات حميدتي مجازر في مدينة الجنينة على الحدود السودانية – التشادية، هذا التراجع لقوات حميدتي إلى دارفور يمكن النظر إليه من زاوية أخرى تتعلق بتقسيم جديد للسودان وتحديدا في دارفور هذه المرة، وما يعزز هذا السيناريو هو ما قام به حميدتي في 31 أغسطس 2025م، حيث أدى حميدتي اليمين الدستورية رئيساً للمجلس الرئاسي في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، كما تم اختيار محمد حسن التعايشي رئيسا لحكومة السلام والوحدة.

وفي ردود الأفعال، نددت الحكومة السودانية المعترف بها دولياً بهذه الخطوة الانفصالية ووصفتها بالمسرحية الوهمية، وقالت الحكومة السودانية: “إن إعلان حميدتي محاولة يائسة لإضفاء الشرعية على مشروع قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة وتقويض وحدة البلاد “.

لا شك بأن فشل حميدتي في السيطرة على كل شمال السودان خاصة بعد هزائمه على أيدي قوات الجيش السوداني في الخرطوم وما حولها، وخسارته لمواقع استراتيجية في مناطق أخرى من السودان، هو ما قاده إلى الإعلان عن هذه الخطوة، وهي خطوة تكرس واقع الانقسام على الأرض وتهدد وحدة السودان، والسؤال هنا: إذا ما فشل حميدتي مستقبلاً في السيطرة على كل شمال السودان وحسم الصراع مع الجيش السوداني بقيادة البرهان فهل سيلجأ لإعلان دولة في دارفور، أم إن أحد الأطراف سوف يحسم الصراع لمصلحته؟.

يمكن القول بأن الواقع على الأرض يؤكد بأن حسم هذه الحرب في المدى القريب يعتبر أمر صعب، نظراً للدعم الإماراتي لقوات حميدتي، ودولة الإمارات في هذه الحرب هي أداة ووسيط استعماري تنفذ سياسة دولة استعمارية كبرى فلا مصلحة للإمارات كدولة عربية في تدمير السودان، ويبدو بأن الجيش السوداني مصمم على حسم هذه الحرب لصالحه، الجمعة 14 نوفمبر عام 2025م أعلن البرهان التعبئة العامة في القوات المسلحة، ودعا جميع السودانيين القادرين على حمل السلاح للتقدّم والمشاركة في القتال الدائر ضد قوات الدعم السريع.

وقال البرهان أمام حشد شعبي في بلدة السريجة بولاية الجزيرة: “إنّه لن يقبل بالمتمردين ومن وقف معهم وأن حقوق الضحايا المدنيين الذين قُتلوا على يد قوات الدعم السريع لن تذهب سدى وأن السودانيين سيقتصّون من المتمردين، وأن الحرب لن تتوقف إلا بنهاية التمرد، مشددا على أن القوات المسلحة مصممة على إنهاء التمرد”، وقال البرهان أيضا: “أنه يرفض وساطة أي طرف قبل أن تقوم قوات الدعم السريع بـنزع سلاحها”، وجاء الرد على لسان مستشار قائد قوات الدعم السريع الذي قال: “إن إعلان البرهان التعبئة ورفضه التفاوض رسالة لمن يظن أنه قد يستجيب لمبادرات إنهاء الحرب، ورد على تصريحات روبيو ورسالة للمجتمع الدولي، واعتبر مستشار حميدتي أن شرط البرهان تسليم الدعـم السريـع لسلاحه قبل أي تفاوض أحلام يقظة وأماني غير واقعية”.

الجمعة 14 نوفمبر عام 2025م أيضا صدر قرار عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أدان الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها في مدينة الفاشر ومحيطها، بما في ذلك القتل على أساس عرقي، والتعذيب، والإعدامات خارج القانون، والاحتجاز التعسفي، والتجنيد القسري، واستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب.

وفي الوقت الذي تؤجج فيه دولة الإمارات الصراع في السودان وتدعم حميدتي بالسلاح والمرتزقة تحاول أن تظهر في المحافل الدولية على أنها حريصة على أمن واستقرار السودان، فقد قال مندوب دولة الإمارات لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جمال المشرخ الجمعة 14 نوفمبر عام 2025م: “أن الفظائع المرتكبة على الأرض في السودان تؤكد عدم وجود حل عسكري للحرب الأهلية”، وأضاف بقوله: “أن البيان المشترك لمجموعة كواد (الرباعية) الذي تحقق بفضل القيادة الأميركية يوفر خارطة طريق لإنهاء الصراع من خلال هدنة إنسانية تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانتقال إلى حكومة مدنية مستقلة لا يسيطر عليها أي من الطرفين المتحاربين، وأن دولة الإمارات تدين الهجمات ضد المدنيين، التي تشنها قوات الدعم السريع في الفاشر، وكذلك الهجمات التي يشنها الطرفان المتحاربان في جميع أنحاء السودان”، وقال المشرخ أيضا: “يجب أن تتوقف جميع الهجمات التي تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، وأنه يجب على الأطراف المتحاربة عدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي ضمان محاسبة المسؤولين عن الفظائع دون استثناء”.

تبدو هذه التصريحات للمسؤول الإماراتي كأنها صادرة عن دولة صديقة للسودان، وليست طرفاً في الحرب وقتل المدنيين، وتهجير الملايين من بيوتهم.

خريطة إقليم دارفور

ويظل السؤال المهم: هل يمتلك إقليم دارفور مقومات الدولة؟. لا شك بأن إقليم دارفور يمتلك مقومات الدولة، حيث تبلغ مساحة الإقليم 503,180 آلاف كم2، ويبلغ تعداد سكانه أكثر من 9 ملايين نسمة، وهو إقليم غني بالثروات الطبيعة والمعادن. جغرافيا، ينقسم إقليم دارفور إلى خمس مناطق: شمال دافور وعاصمته مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمته مدينة نيالا، وشرق دارفور وعاصمته مدينة الضعين، وغرب دارفور وعاصمته مدينة الجنينة، ووسط دارفور وعاصمته مدينة زالنجي، وتاريخيا، حكمت الإقليم سلطنة دارفور الشهيرة.

والحديث عن حرب إبادة عرقية في الإقليم تشنها قوات الدعم السريع يضعنا أمام حقيقة مهمة وهي أن الحرب في الإقليم بين العرق العربي والعرق الزنجي رغم أن الإسلام هو الدين لكلا العرقين العربي والزنجي، وهذا أمر في غاية الخطورة ولا يهدد السودان فحسب بل خطر يهدد بقية الدول العربية خاصة الدول العربية الواقعة في شمال أفريقيا، وهي تمثل أكثر من ثلثي المساحة والسكان بالنسبة للوطن العربي، والسودان مستهدف بالتقسيم وفق مخططات الدول الاستعمارية الكبرى وهي مخططات ليست ذات طابع سياسي فحسب، بل لها أبعاد دينية أيضا.

ونحن في ليبيا إذ نستشعر خطورة هذه الحرب والمأساة التي تسببت فيها والفاتورة الباهظة التي دفعها الشعب السوداني، وما يحاك في الخفاء من مؤامرات استعمارية فإننا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم وهو: ما هي تداعيات هذه الخطوة التي أقدم عليها حميدتي في دارفور على الأمن القومي للدولة الليبية؟، وهل ستصل إلينا تداعياتها أم ستظل داخل حدود السودان؟. لا شك بأن ما قام به حميدتي يمثل تهديد مباشر لأمننا القومي خاصة في الجنوب الليبي، إذ كثيرا ما تكون الصراعات في منطقتنا عابرة للحدود وتطال دول الجوار، ونحن في ليبيا وجدنا أنفسنا في قلب هذا الصراع بين الفرقاء السياسيين في السودان نظراً لقيام حفتر بتقديم دعم لوجستي لقوات الدعم السريع حيث يأتي السلاح من الإمارات إلى ليبيا ثم ينقل إلى قوات حميدتي في السودان، وهي حرب لا تخدم مصلحة ليبيا، وليس لنا فيها لا ناقة ولا جمل.

ما قام به حميدتي وبدعم إماراتي يجعلنا نتوقع أن تكون ليبيا هي الهدف القادم وأن خطوة مشابهة قد يقوم بها حفتر أو أحد أبنائه مستقبلاً بالذهاب نحو إعلان قيام دولة في مناطق سيطرتهم في شرق ووسط وجنوب ليبيا وفرض أمر واقع جديد، وهناك ما يؤكد احتمال حدوث هذا السيناريو، في مارس عام 2025م تسربت معلومات عن اجتماعات سرية في القاهرة بين أطراف ليبية ودولية وبرعاية مصرية وأنه هناك ترتيبات لعقد جلسة لمجلس النواب الليبي والإعلان عن تنصيب حفتر رئيس مؤقت لليبيا، وضمن الترتيبات أيضا سيتم تعيين حكومة جديدة تكون تبعيتها للرئيس المؤقت، وهناك معلومات تؤكد رفض نواب المنطقة الغربية في مجلس النواب لهذه الخطوة الأحادية، لذلك جرت اتصالات ومناقشات بين الأطراف المتورطة في هذه المؤامرة لتشكيل تحالف بين نواب المنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية داعم لهذه الخطوة، واستبعاد نواب المنطقة الغربية الرافضين لها، كما أن الحراك الاجتماعي الداعم لحفتر والوفود التي تزوره في بنغازي وتعلن عن ولائها له تؤكد أنه هناك أمر ما يطبخ وراء الكواليس ، وإننا أمام نسخة جديدة من سايكس بيكو تنفذ بأيدي عربية، وتمويل عربي.

The post حميدتي وتقسيم السودان.. هل ستولد دولة في دارفور؟ appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.