السياسة.. والتاءات الثلاث (3 من 3)

0
194

حاولت في الجزء الأول من هذا المقال الإشارة إلى التاءات الثلاث التي تتطلبها العملية التسويقية في السياسة، وسلطت بعض الضوء على “التاء الأول”، أي “التموضع”، وفي الجزء الثاني حاولت مناقشة “التاء الثانية” أي “التغليف”، أما في هذا الجزء الثالث والأخير، فسأحاول مناقشة “التاء الثالثة” ألا وهي “التوقيت” ومحاولة حوصلة التاءات الثلاث ومدى أهميتها في العملية السياسية.

ثالثا: التوقيت (Timing)

هو أن يكون السياسي قادراً على تحديد فترة زمنية محددة للقيام بما يرغب القيام به، واختيار “أفضل لحظة” للبدء في ذلك والتخطيط لحدوثه، خصوصا عندما يعتقد أن له تأثيرًا كبيراً على النتائج المطلوبة، بمعنى على السياسي أن يُدرك ويعي أن لكل شيء في هذا العالم موسم، وأن هذه المواسم تشبه مواسم الطبيعة -الشتاء والربيع والصيف والخريف-، بمعنى آخر، عليه أن يدرك أنه كما أن هناك أوقات للزراعة هناك أوقات للحصاد، وكما أن هناك أوقات للكلام هناك أوقات للصمت، وكما أن هناك أوقات للحرب هناك أوقات للسلام، وكما أن هناك أوقات للهدم هناك أوقات للبناء والإعمار.

عليه يمكن القول إن من أهم أسرار نجاح اللعبة السياسية هو إتقان فن متى يمكن القيام بشيء ما أو عدم القيام به، ويمكن القول إن التوقيت في السياسة هو كل شيء، بمعنى آخر، على السياسي أن يعي أن التوقيت ليس مجرد عنصر مهم في السياسة، بل هو الأهم وضرورة من ضروريات تحقيق أي نجاح أو نصر، وهنا قد يسأل سائل فيقول: لماذا التوقيت مهم؟ والإجابة، هي أنه يساعد السياسي على تحديد وترتيب وجدولة أعماله، ويمكنه من معرفة اتجاهات المنافسين له بأقل التكاليف وفي أسرع وقت ممكن، ويساعده على زيادة فرص انتصاراته.

الخلاصة لعل من المناسب أن اختم هذا المقال بالتأكيد – مرة أخرى – على الثلاث عناصر الضرورية التي يجب على كل من يريد أن يتعاطى السياسة معرفتها واتقانها، وهي ما أطلقت عليه التاءات الثلاث (التموضع والتغليف والتوقيت).

فالعنصر الأول “التموضع”، هو مصطلح تسويقي يعني محاولة السياسي إيجاد “أفضل مكان” له في المسرح السياسي، بحيث يكون معروفا وفريدا وذو قيمة وأسلوب مختلف ومميز عن المنافسين له، ويُمكنه من صنع صورة في أذهان المواطنين (المستهدفين) لأفكاره ومشاريعه وبرنامجه، والتموضع الجيد يعتبر مهم جدا لأنه يُغري المواطنين (المستهدفين) ويشجعهم على معرفة المزيد، ويجعلهم يتفاعلون مع رسالة السياسي وشعورهم بأنه يمثلهم، ولهذا تجد رجال الأعمال يشترطوا عند تخطيط أعمالهم الاهتمام والتأكيد على عنصر: “الموقع، الموقع، الموقع” واعتباره أهم عنصر من عناصر نجاح أي مشروع تجاري، وفي اعتقادي، نفس الشيء ينطبق على أي فكرة أو مشروع أو برنامج سياسي.

أما العنصر الثاني “التغليف”، فهو الذي يهتم بـ”الشكل” و”الهيكل” و“المظهر الأخير” الذي يراه المواطن ليحكم عليه ويتخذ قراره على أساسه، بمعنى تحديد “أفضل شكل” وهو جزء حيوي في تسويق أفكار ومشاريع وبرامج السياسي، ومرحلة تسويقية مهمة تؤدي إلى زيادة الرضا والقبول لما يعرضه السياسي.

أما العنصر الثالث “التوقيت”، فيعني ببساطة تحديد “أفضل وقت” للقيام بشيء ما، ويستخدم للإشارة إلى الوقت الذي يحدث فيه شيء ما أو يُخطط لحدوثه، أو إلى طول الفترة التي يستغرقها، بمعنى آخر، على السياسي أن يثقن “فن متى؟” أي متى يتكلم ومتى يستمع، ومتى يعرض أفكاره ومتى يناقش أفكار الآخرين، ومتى ينتقد المنافسين ومتى ينسحب من المشهد.

وعليه لابد من التأكيد على اعتبار التوقيت من أهم أسرار اللعبة السياسية ونجاحها، ولابد على كل من يريد أن يتعاطى السياسة أن يعي أن عنصر التوقيت هو أهم وأخطر العناصر في العملية السياسية، ولا يمكن لسياسي أن يُحقق أهدافه بيُسر ونجاح إلا بالاهتمام بهذا الفن وإتقانه.

في الختام يمكن التأكيد – مرة أخرى – على التاءات الثلاث (التموضع والتغليف والتوقيت)، واعتبارها أهم المفاتيح الأساسية والضرورية لخوض أي معترك سياسي بجدارة ومهارة ونجاح، ومن خلال هذا الفهم يمكن للسياسي أن تعريف السياسة على أنها:

“علم وفن ماذا وأين وكيف ومتى؟”

بمعنى ماذا يريد أن يعمل؟ وأين سيقوم بذلك؟ وكيف سيحقق أهدافه؟ ومتى سيحقق ما يريد؟

أخيرا يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي،

فمن أتى براي أحسن منه قبلناه،

ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.

والله المســـتعـان.

The post السياسة.. والتاءات الثلاث (3 من 3) appeared first on عين ليبيا آخر أخبار ليبيا.