مأساة بنت بية.. وفزان السبسية «الموت حق والحق يستحق الموت»

0
187

وسط انشغال مجلس الدولة بإعادة تنصيب رئيسه .. وأجواء اللقاء (الحميمي) في انقره بين رأسي مجلسي النواب الليبي والتركي .. ورحيل المستشارة ستيفاني عن المشهد دون القاء (جوقتها) نظرة أخيرة .. وتلبد غيوم الصدام (القادم) حول طرابلس .. تدثر ليلاً صهريج من شركة البريقة صوب قرية بنت بيه (الوادعة) من قبله (المنكوبة) من بعده .. لينفث نيرانه ويفتك بجمع من الأبرياء الجنوب (ثكالى) الدولة (الآثمة) .. كل همهم روي آلياتهم الظمأى للوقود (المدعوم) من صبر الجنوب التعيس .. و(صريرات) حكومة الشمال.

ومن أمام مستشفى الحروق بطرابلس .. وخلال دقائق وجيزة استقطعها من الوقت (الإضافي) للزيارة .. لخص (تراشق) رئيس حكومة الوحدة الوطنية الكلام (المرتبك) مع بعض الأقارب المكلومين والمتضامنين مع ضحايا حادثة بنت بيه المؤلمة .. المشهد الوطني الكئيب والوضع المعيشي البائس في الجنوب الليبي .. إنفصام واضح بين رأس السلطة والشعب .. لغة استعلاء وإلقاء المعاذير تهرباً من المسئولية .. وتبعية مقيتة ومهينة لجنوب البلاد بعاصمة الدولة المركزية العتيدة .. حيث تصل أشلاء الضحايا الأبرياء (قبل أن تلفظ أنفاسها) إلى مشفي الحروق بعد قرابة (24 ساعة) من احتراقها .. على بعد نحو ألف كيلو متر من موقع صهريج الموت (المرسل) من ذات الألف كيلومتر .. ليتجلى مشهد صارخ التناقض .. كوميديا إدارة ثروات البلد .. ممزوجة بتراجيديا إدارة الإقليم (اليتيم) الذي تربطه بالمركز المأسي والفواجع والنقائض تحت راية الحكم المحلي.

مثل هذه الوقفات الطارئة بين (الحاكم) والمحكوم .. المشحونة بالعواطف والاحتجاج والشكاوى والتعبير عن المعاناة والألم .. تدار أولاً بروح الإنسانية .. ومن ثم بحنكة السياسي المتمكن .. وشجاعة القائد الصادق لمواجهتها ولقاء المتضررين من المأساة .. وتحمل المسئولية .. وقول الحقيقة .. كل ذلك للأسف كان غائبا عن ذلك المشهد السريالي .. حيث اختصر (الرئيس) القصة كلها في قيام أبناء الجنوب بتهريب الوقود (!!!!) .. متناسياً ضريبة المركزية الباهضة التي يدفعها أبناء الجنوب وحدهم عبر شح الوقود المدعوم لنحو 10 سنوات .. وطريق الشويرف لحصد الأرواح والمركبات .. ورحلات شركة الخطوط الليبية (المزاجية) للجنوب .. وشبكات الجريمة المحلية والاقليمية للتهريب والتخريب .. ومتغافلاً في الوقت ذاته عما سببه الانقسام السياسي والعبث بالشرعية واجهاض أول تجربة لاختيار الشعب لقيادته .. بقيام ذلكم الأبرياء المغدورين في بنت بيه من المجازفة بأرواحهم الطاهرة للصعود لبارئها .. تاركة صهريج البريقة اللعين .. ومبررات حكومة الوحدة الوطنية الواهية .. والمسئولين اصحاب الدموع الصناعية .. وقنوات الاعلام الرديء البذيء .. وجموع أهل الجنوب (السلبية) .. لحكم الأيام والأقدار حتي تلتقي جميع (الخصوم) عند مليك مقتدر .. وليس أمام بوابة مركز الحروق.

حادثة بنت بيه المأسوية كشفت حقيقة أن فزان (سبية) للصراع بين قوى غرب ليبيا وشرقها .. وهي ليست أول المآسي ولا آخرها .. غير أن قساوة المشهد هذه المرة بالغة .. حيث الأبرياء يتدافعون تحت وطأة الحاجة لملاء لترات من الوقود (المستخلص من تحت أرجلهم) .. للبقاء أحياء .. لكن صهريج شركة البريقة المشئوم نقل لهم الإبادة والاعاقة للناجين .. لينكأ جرحاً ينزف منذ عقود في جسد (فزان) سببه الاهمال والتبعية والسلبية وغياب المسئولية .. ويوجه صفعة لجل أبناء الجنوب المتبوأين للمسئولية في كل المستويات الإدارية وفي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية و(الخفية) .. حيث فشلت نخب الجنوب المتقلدة للمناصب سواء برغبتها أو برغبة من أوصلها للسلطة في إعلاء صوت أبناء الجنوب واستيفاء حقوقه الأساسية .. وصون بعض من كرامة أهله .. ليصبح فريسة للمتغولين من ساسة الاهمال والانتقام الجدد.

كارثة بنت بيه مصاب جلل أذن رب المقادير بحدوثه .. وهي جريمة مكتملة الأركان .. وستبقي جرحاً غائراً لسنين طويلة في نفوس الطيبين والبسطاء من أهل الجنوب الأسير .. ولكن أنبه إلى أن طبيعة المأساة تستوجب التعاطي معها بعقلية مختلفة .. لأنها ستاخذ وقتاً طويل لتعافي أهل الذين قضوا نحبهم من الفاجعة والمصيبة .. وبالمثل فإن الرحلة العلاجية للناجين ستكون شاقة وممتدة زمنياً وتستوجب تكيف أسرهم مع اوضاع جديدة .. وتشير الواقعية والخبرة مع السلطات الليبية المتعددة وذات العلاقة (وزارات المالية والصحة والشئون الاجتماعية) أن (الفزعة) الحكومية قصيرة .. وربما قريباً سيجد ضحايا الحادثة المتعالجين وأهلهم أنهم قد دخلوا متاهة التفويضات المالية ومصاريف المرافقين والتهرب الحكومي من الالتزامات وخزعبلات ستلقي بهم علي أرصفة الملحقيات والسفارات.

علي أهل الجنوب المتضررين ونخبه الواعية أن يقشعوا عباءة السلبية والخوف وأن يتعاضدوا بالرأي والمشورة وعدم الركون للصراخ والعويل وردود الفعل المشحونة بالعواطف والغير عملية .. وأن يعتبر كل أبناء الجنوب القاطنين به وخارجه أن ما حدث كارثة وطنية تمسهم جميعاً وأن البعد الانساني والاخلاقي والواجب الديني والموقف التاريخي يحتم إرشاد سكان الاقليم بوجه عام والمتضررين بوجه خاص إلي خطوات عملية انطلاقاً من مبدأ (ما ضاع حق وراءه مطالب) حتى لا يتلاش الزخم المعنوي والتعاطف الشعبي جراء فداحة الكارثة وتداعيات الأزمة وتذهب القضية إلى سجلات النسيان الوطنية .. ولعلها تكون نقطة تحول نحو تأسيس (فزان) جديدة .. تنفض غبار السلبية والتبعية .. وتتمثل بداية في الخطوات الإطارية التالية:

أولاً : تأسيس رابطة لأسر ضحايا بنت بيه وفق الإجراءات القانونية السارية.

ثانياً: تتبني الرابطة المسار القانوني بالتعاون مع خبراء قانونيين للتكييف القانوني للحادثة واجراءات تحريك الدعاوى ضد الحكومة والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة بقضايا الوقود وإهمالها للجنوب.

ثالثاً: تتبني الرابطة المسار الإعلامي بتشكيل فريق إعلامي متخصص يتبني الامكانات والوسائط الفنية لمتابعة الأزمة محلياً وخارجياً خاصة أن العديد من المصابين قد أوفدوا للعلاج خارج ليبيا.

رابعاً: دعوة المجلس الأعلي لمكونات فزان الاجتماعية والمجلس الاجتماعي (أوباري) لتبني القضية والدفاع عنها في المحافل الإجتماعية والسياسية باعتبارها كشفت الخلل الأمني والإداري والاقتصادي والتنموي والإجتماعي الذي يعانية الجنوب .. ومطالبته والأجسام المجتمعية في الجنوب بتوسيع إطار الرابطة ومكوناتها وتعزيز ثقافة المطالبة بالحقوق وفق السياقات القانونية والإدارية الفاعلة.

خامساً: دعوة عمداء بلديات وادي الحياة أولاً للإجتماع وتشكيل فريق مساند للرابطة للقيام بمهامها وأهدافها وتحديد المواقف .. وبالمثل تشكيل لجنة للتواصل مع القطاعات والاجهزة ذات العلاقة والمتابعة لعمل الرابطة واللجان التابعة لها.

سادساً: تشكيل فريق عن طريق الرابطة لجمع التمويل والدعم المادي عبر صندوق مخصص لهذا الغرض وفق الوسائل المتعارف عليها.

سابعاً: العمل علي إقامة نصب تذكاري بموقع الحادثة يذكر الجميع مسئولين ومحكومين في كامل التراب الليبي والأجيال القادمة من أبناء الجنوب بفداحة الكارثة ويكون شاهداً علي هذه الفاجعة والحقبة المظلمة من تاريخنا.

أقول مرة أخرى .. “أن الموت حق .. والحق يستحق الموت من أجله” .. وأؤمن بالمنهجية .. فأي جهد انساني ما لم تتم مأسسته وضبط علاقاته وديناميته وتطوير آلياته .. سيذهب سُدي وستتوالي الكوارث والفواجع دون أن يحاسب أحد .. وسيظل أهل الجنوب في تراجع واضمحلال ويطويهم النسيان كما طوي أمم غيرهم.

The post مأساة بنت بية.. وفزان السبسية «الموت حق والحق يستحق الموت» appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.