نيويورك تايمز: ابن القذافي ما زال حيا ويريد أن يستعيد ليبيا

0
423

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيةن اليوم الجمعة، مقالا مطولاً، تحت عنوان “ابن القذافي ما زال حيا ويريد أن يستعيد ليبيا”، أعده الصحفي روبرت إف وورث، ومن تصوير جهاد نجا.

وأجرت الصحيفة لقاء مع سيف الإسلام القذافي، لأول مرة منذ اعتقاله قبل 10 أعوام، وتحدث عن سنوات الأسر وألمح لإمكانية عودته إلى الحياة السياسية.

وقالت “نيويورك تايمز” إن سيف الإسلام واجه قبل عشر سنوات مجموعة من المسلحين اعترضوا موكبه الصغير قرب مدينة أوباري الليبية في طريقه فارا إلى النيجر، وعثروا فيه على رجل أصلع شاب تغطي الضمادات يده اليمني، واكتشفوا أنه الابن الثاني لديكتاتور ليبيا سيئ السمعة، وهو الرجل الذي كان الغرب يعوّل عليه قبل ثورة فبراير 2011 لكي يحدث إصلاحات تدريجية في البلاد، فلباسه الأنيق ونظارته وحديثه بالإنكليزية جعله صورة مختلفة عن والده، ودرس سيف الإسلام في مدرسة لندن للاقتصاد بجامعة لندن، وتحدث لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحاضر في الشباب الليبي عن التربية المدنية، لدرجة أن البعض في الغرب اعتبره المنقذ المنتظر لليبيا، بحسب الصحيفة.

وخيّب سيف الإسلام الآمال عندما دعم حملة القمع الشرسة التي أطلقها نظام والده ضد الثورة، وكان من السهل على الثوار الذين انتصروا بعد تسعة أشهر أن يحكموا عليه بالإعدام دون محاكمة مثلما فعلوا مع أبيه وعدد من كبار المسؤولين بالدولة، لكنه، ولحسن حظه، وقع أسيرا لدى كتيبة مستقلة من الفصائل الأخرى ونقلته جواً إلى مدينة الزنتان، جنوب غربي العاصمة طرابلس.

ولأنه كان مطلوبا أيضا للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتُبر رهينة ثمينة، وظل لديهم حتى بعد انتخابات عام 2012.

ونوهت الصحيفة إلى أن التطورات التي تبعت سقوط نظام القذافي وانقسام ليبيا إلى ميليشيات متحاربة ونهب مخازن السلاح وتصدير للفوضى إلى أنحاء القارة وتأسيس تنظيم “داعش” إمارة له على الساحل الليبي، قادت البعض في ليبيا لتغيير نظرتهم إلى سيف الإسلام، الذي حذر من الانقسام في أيام الثورة الأولى.

وذكرت تقارير أن خاطفيه أطلقوا سراحه وينوي المشاركة في انتخابات الرئاسة، لكن أحدا لا يعرف مكانه، وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” إنها لا تملك أدلة على أنه على قيد الحياة، وفي ليبيا انقسم الرأي حول وفاته وحياته.

وقال الصحفي روبرت إف وورث في مقاله: “في صباح يوم عاصف حارٍّ في مايو الماضي، غادرتُ فندقي في طرابلس وجلستُ في المقعد الخلفي لسيارة سيدان رمادية متهالكة. كان سائق السيارة يُدعى سالم وكنتُ قد تحدثتُ معه من قبل دون أن ألتقيه قط. انتابني كثيرٌ من التوتر، فقد قضيتُ عامين ونصف أرتّب لهذه المقابلة مع سيف الإسلام، وخلال هذه الفترة تحدثتُ معه عدة مرات عبر الهاتف… لكنني الآن أتساءل عن الصوت الذي كنت أسمعه على الطرف الآخر من الهاتف… فلم يحدث أن التقاه أي صحافي أجنبي منذ عشر سنوات… وقد أخبرتني منظمة “هيومان رايتس ووتش” أنه لا يوجد دليل على أن سيف الإسلام حيٌّ منذ عام 2014. ومعظم الأشخاص الذين قابلتُهم في ليبيا قالوا إنهم لا يعرفون إن كان حيًّا أم ميّتًا”.

ويُضيف الصحفي: “كنا في شهر رمضان، وكادت شوارع العاصمة تخلو من الناس والسيارات. لم نمرّ على أي من نقاط التفتيش التي توقعتُ المرور بها ونحن نغادر المدينة باتجاه الجنوب الغربي نحو جبل “نفوسة”. وبعد ساعتين تقريبًا، صعدنا ببطء وسط قمم بنية داكنة حتى وصلنا إلى هضبة الزنتان… وعلى أطراف إحدى القرى، أوقف سالم السيارة وطلب مني أنا والمصوّر الذي يرافقني، جهاد نجا، الانتظار…. لم يمض وقتٌ طويل حتى توقفت خلفنا سيارةٌ بيضاء من طراز تويوتا لاند كروزر، وخرج منها رجل يرتدي ثوبًا ناصع البياض. طَلب منا أن نترك هواتفنا في سيارة سالم. كانت سيارة لاند كروزر مصفّحة ذات أبواب ثقيلة جدًّا حتى إنها حجبت جميع الأصوات من الخارج… عرّف السائق نفسه بأنه محمد، ثم قاد السيارة دون أن ينبس بكلمة لمدة عشرين دقيقة تقريبًا، إلى أن دخل مجمّعًا سكنيًّا محاطًا بالبوابات وأوقف السيارة أمام فيلّا من طابقين تبدو عليها مظاهر الترف. فتح محمد الباب الأمامي، ودلفتُ عبر مدخلٍ خافت الإضاءة”.

وتابع: “تقدّم نحوي رجل ومدّ يده قائلًا: (مرحبا!)… لم يكن لديّ شكٌ في أنه سيف الإسلام، مع أن ملامحه بدت أكبر سنًّا وكست وجهه لحيةٌ طويلةٌ غزاها الشيب… كان إبهامُ يده اليمنى وسبّابتها مبتورين – نتيجة إصابته بشظية في إحدى الغارات الجوية عام 2011 على حدّ قوله. كان يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز تزيّنها أهدابٌ ذهبية، كأنه رئيس دولة، ووشاحًا ملفوفًا بشكلٍ مهندمٍ حول رأسه… لو أن سيف الإسلام ورث شيئًا واحدًا فقط عن أبيه، فهو أسلوبه المتكلّف… قادنا إلى قاعةٍ جلسنا فيها على أرائك جديدة بلونٍ مائلٍ إلى الخُضرة… وغلبت مظاهر الترف والبهرجة على أثاث القاعة، بسجّادها السميك وثريّاتها الكريستالية وستائرها الأرجوانية… وفي تنافر واضح مع هذه الأجواء، عُلّقت على الجدار لوحةٌ بها صورة جبال وإحدى بحيرات الألب. لم يكن في المنزل أحدٌ غيرنا”.

وبعد فترة من الصمت المربك، سأله الصحفي إن كان سجينا، فأجاب أنه رجل حر طليق ويحضّر للعودة إلى الحياة السياسية، مضيفا أن الثوار الذين اعتقلوه قبل 10 أعوام لم يعد وهم الثورة يسيطر عليهم، وأدركوا أنه قد يكون حليفا قويا لهم، وأضاف: “هل تتخيل أن الرجال الذين اعتقلوني هم الآن أصدقائي”.

ولفت الصحفي إلى أن سيف الإسلام استغل غيابه عن الساحة السياسية لمراقبة الأوضاع في المنطقة، وعمل بهدوء على تنظيم أنصار والده “الحركة الخضراء”، ولم يقدم تأكيدات حول احتمال ترشيحه للرئاسة، لكنه يؤمن بأن الحركة التي يقودها لديها القدرة على توحيد البلاد، والشعار الذي اختاره لحملته تحقق في عدد من الدول، وهو أن الساسة لم يقدموا لكم شيئا، وحان وقت العودة إلى الماضي “لقد اغتصبوا البلد وأذلوه، ولم يعد هناك أمل.. لا مال أو أمن ولا حياة وإن ذهبت إلى محطة الوقود فلن تجده، نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا وننير نصفها، ولكننا نعاني من انقطاع دائم للتيار الكهربائي، إنه أكثر من فشل، بل مهزلة”.

وبعد 10 أعوام من النشوة، بات معظم الليبيين يتفقون مع هذا الكلام، حيث أن المشاريع الضخمة التي لم تكتمل بسبب عزوف رأس المال الخارجي عن الاستثمار نظرا للظروف المضطربة، في وقت كدّس بعض أمراء الحرب في ليبيا ثروات طائلة، وتظهر المعاناة وآثار الحرب في كل مكان، بحسب المقال.

ويشير وورث إلى حالة الهدوء في ليبيا وانخفاض عمليات الاغتيال والاختطاف وعودة النظام في بعض المدن التي تجوّل فيها، وهذا بفضل جهود الأمم المتحدة التي توسطت لوقف إطلاق نار بين المتحاربين، تبعه التوافق على حكومة وانتخابات مقررة نهاية العام الحالي، لكن هناك خوف من انهيار السلام الحالي، لأن ليبيا لا تزال منقسمة بين الشرق والغرب، ففي الشرق، يتسلط الجنرال خليفة حفتر، ولا يثق زعماء الغرب به، كما قال خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومن غير المرجح أن تنجح الانتخابات في رأب هذا الصدع، بل إنها قد تعيد البلاد إلى حالة الحرب إذا فاز فيها شخص مثير للخلافات، وليس هناك من هو أكثر إثارة للخلافات من سيف الإسلام.

ويرى كاتب المقال أن تطلعات سيف الإسلام السياسية لم تختف رغم غيابه، ومع ذلك يجب التعامل مع طموحاته بجدية، فقد سمح لأنصاره بالمشاركة في تشكيل الحكومة الحالية وإلغاء القيود التي كانت ستمنعه من المشاركة في الانتخابات، وتُظهر استطلاعات محدودة أنه يحظى بشعبية في بعض المناطق، ويستمد شعبيته كما يقول الكاتب من الحنين المتزايد لديكتاتورية والده، وهو أمر لا يقتصر على ليبيا بل وتونس أيضا التي بدأ فيها الربيع العربي.

وبحسب مقابلات مع أفراد، رأى الكاتب أن هناك من يريد دعم نجل القذافي، وأخبرته محامية ليبية أن عملها غير الرسمي لقياس الرأي العام، يشير إلى أن ثمانية أو تسعة من كل عشرة ليبيين سيصوتون لسيف الإسلام.

وفوز الأخير لو حدث، سيكون انتصارا للمستبدّين العرب والكرملين الروسي. وبحسب دبلوماسي أوروبي على معرفة بالشأن الليبي “يعتقد الروس أن سيف الإسلام قد يفوز”.

ومن الواضح أن أطرافا خارجية أخرى تدعم سيف الإسلام، لكنه تكتم حول الحديث عن هذه النقطة، لكن الكاتب أشار لحرب الوكالة بين قوى خارجية منها مصر والإمارات وتركيا وروسيا قد يكون لبعضها مصلحة في عودة نجل القذافي، ولو عاد، فسيكون بمثابة إحراج للولايات المتحدة التي قادت حملة الإطاحة بالقذافي مع حلف “الناتو”.

ويواجه سيف الإسلام أيضا عقبة كأداء خارج ليبيا، فهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع المعارضين عام 2011، إلا أن سيف الإسلام واثق من قدرته على تجاوز المشاكل القانونية لو اختاره الشعب الليبي.

The post نيويورك تايمز: ابن القذافي ما زال حيا ويريد أن يستعيد ليبيا appeared first on عين ليبيا | آخر أخبار ليبيا.